وتحت فيّات بطمة شاردة على كتف وادي الثريا تناهب قلبي هديل يمامة ، تتوجع … تفلّي ريشها المغطس بالدماء الساخنة ، تتململ كقبّرة داهمها صقيع صباح صقيعي ، تتلفت هنا … وهناك ، ملتاعة ، هلعة من صدى أقدام … تجهلها . !
إنها فاجعة ( درغلة ) عانسة ، روادها حنين ( جفت) فرّغ في صدرها ( خرطوشتين ) وتمهل حتى ينتهي مسلسل التخبط في وحل الطريق الضيق الذي لا يتسع إلا .. لنبضة القلب ، وهتاف الأودية المحقونة بالانتظار .. ! ودلفنا إلى منطقة ( الواسعات ) فكان هروب بعض ( البطّامين ) شبه منظم ، وعلى درب اعتادوا الهروب منه إلى حافة النجاة … ، إلا واحداً تقدم منا وعلى وجهه تتوانى بعض ابتسامة (حامضة ) وراح يتلعثم ، ويتأوخ فاتحاً كيسه المملوء بحبات ( البطم ) طالباً منا أخذ البعض منه وإذا لم يكن من أخذ كامل الكيس بدّ فمن باب الإنسانية ، أن تأخذ شيئاً ؟ لكن .. فقط حفنة كبيرة للتسلي (بقرمطتها ) خلال مشوارنا التعب ، الجميل .
رفوف من الزرازير وفرادى من الطيور ( البيوّض) وبعض نفرٍ من طيور (الكدري) ها هي سماؤنا مرقعة ببعض الغيوم ، ووجه الشمس ملطخ ، وقميص الشفق الغربي مازالت تُفكفك بعض أزراره خيوط برتقالية اللون ، منظر يشتهيه الشعراء والفنانون ..
عبور بعض طيور ( القطا) على حدود الأفق المروّع بالمغيب ! .. أشجار تتكئ على ماضيها ، وبراعم تتباهى ، وبعض حصاة تمعسها أقدامنا الحافية .. ! .. ما زالت رطوبة الشتاءات تخبئ مؤونة لفصل ( التحاريق ) وهريف ( الخريف ) ولسعة هواء الصباح البارد ! ..وتنام الشمس مرتاحة على سرير الأمنيات ، وتتعالى في فضاءات .. وهضاب البلعاس رصاصات كرنفالية ألوانها جميلة .. , رسمت في وجه العتمة . نهاراً مُورد الخدين .. كليالي شهرزاد …
ــ ورحنا صوب مكان يطلق عليه اسم ( المصفّرة) أو كما يلفظها القاطنين على جنبات البلعاس بـ (المصكرة ) وذلك لتواجد رفوف الصقور الحائمة ، باحثة عن طريدتها من الطيور الصغيرة ، أو بعض الأرانب والخراف التي لم تفطم بعد .. !
عناقيد حمراء وخضراء تتدلى من الأغصان ( المهبوشة ) بطريقة بدائية ، وأحياناً ترى العنقود يضم بحنان طبيعي كل الألوان .. !
سبحان الخالق … ، تلك أحضان الأرض ، وها هي ، قطعان الأغنام .. وبعض العنزات ينطنطن وراء تيس تمغط بجسده مرتخياً على باب مغارة ، شوهتها عناصر الطبيعة ، وأغلق أبوابها ركام رماد المواقد . حيث كان شواء اللحوم وأوانٍ كبيرة لسلق الطيور التي اصطادها الصيادون … احتفالاً وختاماً لزيارتهم الموسمية إلى (البلعاس) .
هؤلاء ( البطامون ) الذين يقطفون عناقيد ( البطم ) يأتون من أطراف المنطقة ، والقرى القريبة … وما أشقاهم ، إنه الجني المتعب والمرهق ..
إنها لقمة العيش كما يقولون : مغمسة بالدم . !
ها هو ينتظر المطر ، ليعيد مجده الربيعي ، وكذلك الرعد الذي يوقظ ( الكمأة ) من نومها ! ..
روعة الطبيعة مرعبة أحياناً ، ففي الليل ترتع الوحوش الضارية ، تفتش عن قوتها ، وتسمع من بعيد نباح كلاب الرعيان ، يعاندها صوت عواء ابن آوى ، وياويل .. كل الويل لنعجة أو خروف ، يتلهى مبتعداً عن قطيعه ..، فالموت له .. بالمرصاد ! ..
وها هي الكلاب الأمينة تلملم الخراف الهاشلة عن القطيع ! ..