تبقى مرحلة المراهقة من أهم مراحل عمر المرء وأجملها و أحوجها أيضاً ليكون من ضمن أفراد مجتمعه مسنوداً بالدّعم النفسيّ و السّلوكي و التعليمي أيضاً.
و كثيرون منّا من يستنكر قبل ابنه طبيعة التغيرات التي تطرأ على المراهق سواء على المستوى العضوي أو النّفسي في هذه المرحلة . فيتساءل عن كيفية التعامل معه و تحبيبه بمناهجه و مدرسته و مدرّسيه وقد أصبحت المنفرّات منها أكثر من المحبّبات .
و لهذا كثيراً ما يعاودنا الأهل حاملين في طيات وجوههم و قلوبهم الحيرة والقلق على أبنائهم مستغربين تراجع اندفاعهم الدراسيّ و المدرسيّ طالبين منهم تحقيق و بذل المزيد من الجهود لإرضاء المحيطين بهم بغض النظر عن إرضائهم لذواتهم و رغباتهم .
تلحظ أمهات تراجع أبناءها بالدراسة و تتساءل عن الأسباب مفترضة العديد من المسببات الافتراضيّة ، علاقات متبادلة عديدة تخص المراهق ولايمكننا تجاهلها فهي تؤثر به وبشكل ملحوظ سواء بداخل المدرسة أو خارجها ، و منها علاقة الأستاذ بالتلميذ المراهق:
والتي لها دور كبير جدّا في شخصية المرء معتمداً نوع التعامل الذي ينهجه الأستاذ في علاقته بتلميذه المراهق والتي تقرر مدى احترامه له وتقيّده بشخصيته ليكون قدوته التّي يستفيد ويتعلّم منها والتّي تبدو واضحة بمجموعة قِيمٍ انسانيّة جميلةٍ تتمثّل بـ :
– التفاهم: عندما يكون المدرّس متفاهماً أكثر مع التلاميذ المراهقين .
-التسامح: بمعنى أن يكون متسامحاً بدل أن يكون متسلطاً وقاسياً.
-الموضوعية: أن يكون عادلاً في تعامله مع جميع التلاميذ، و منطقيّاً بحكمه سيّما بالقضايا اليوميّة التي تشغل التلاميذ
– الإنسانية: أن يتفهم مشكلات المراهق بنوع من الإنسانية بمعنى العمل على مساعدته بدل احتقاره أو التخلّي عنه و الإقلال من شأنه.
– الثقافة و يقصد بها تمكن الأستاذ من الجانب المعرفي المتعلق بالمادة أو المواد التي يدرسها.
– الحزم: بمعنى التعامل بنوع من الجديّة والحزم في المسائل، وعدم التساهل فيما يتعلق ببعض الأمور التنظيمية المؤثّرة بحياة و مستقبل الطالب
– المعرفة السيكولوجية للتلميذ: و تبقى هذه المسألة مهمّة جداً بالنسبة للأستاذ لأن معرفة سيكولوجية المراهق و شخصيّته و ظروفه ستمكنه من فهم خصوصيات شخصيته و كيفية التعامل معها .
علاقة التلميذ المراهق بالمقررات والمناهج التربوية المفروضة عليه دراسيّاً :
تعد المناهج التربوية من أبرز مكوّنات المؤسسات التعليمية التي يتأثر بها التلميذ المراهق سواء بطرق التدريس وقبولها و عدم النفور منها و التّي تتناول مواضيع تهم حياته وتدفعه إلى الاكتشاف والتقدّم.
ولابدّ لنا من الانتباه أننا في وقت كادت محبطات ومنافسات الدراسة تدفع بالطالب لتركها و تجاهلها إضافة إلى ظروف الأزمة والمنعكسات السلبية منها أهمّها وسائل الإعلام (التلفاز) والشبكة المعلوماتية (الإنترنت) التي أضحت وسيلة للمعرفة سهلة المنال بالنسبة للتلاميذ ، وصعوبة التحكم في الأعداد الهائلة والمتزايدة للتلاميذ . و طغيان «حضارة الصورة» وانجذاب التلاميذ نحوها وهو ماخلق بالمقابل نوعاً من النفور من البرامج التعليمية التّقليديّة و ربّما رفضها .
عوامل كثيرة أدت إلى كبر الهوة بين الطالب والتعليم إضافة إلى الظروف المعيشية القاسية والحرب إلّا أن الثورة الإعلامية عالمياً أدت إلى تراجع مكانة البرامج والمقررات الدراسية في نفوس التلاميذ وخاصّة المراهقين، إذ إن مجال الإعلام بمختلف مكوناته أصبح منافساً قوياً للتعليم التقليدي نظرا لوفرة المعلومات التي يقدمها مقارنة مع المدرسة.
و بالفعل نجد في هذا الإطار أن المهتمون بالحقل التربوي يشيرون إلى أن الوسائل السمعية البصرية، أصبحت هي أنسب الوسائل الملائمة لسيكولوجية المراهق، فالجانب الوجداني لشخصية المراهق يكون منفتحاً على الرموز وعلى كل ما يثير الخيال وهذا ما يؤدي إلى حصول نفور في غالب الأحيان لديهم من المعارف الدراسية التّقليديّة مما قد يتسبب في «الفشل الدراسي» ، وهذا في واقع الأمر لايعني ضعف قدرات التلميذ المراهق، وإنما طبيعة هذه البرامج هي التي جعلته يحس بالإحباط، لذا يجب إعادة النظر في المناهج والمقررات الدراسية من خلال مراعاة ما يلي:
– توظيف وسائل الإعلام الحديثة وتوجيهها لخدمة التربية والمؤسسة المدرسية.
– تكييف المعارف والبرامج المدرسية مع متطلبات التلميذ المراهق.
– الاهتمام بجانب الإرشاد النفسيوالتوجيه التربوي خلال هذه المرحلة بالأساس. ويبقى الأمل بجيلٍ واعٍ ٍ يكون عوناً في بناء بلده وترميم ما هدّم فيه من مقوّمات حياة و قيَم وعمران .
رندة عبيد
المزيد...