هل تتمتعون بالقراءة – اليوم -؟

من المؤسف أن نرى شيوع الأغلاط المطبعية في كتبنا ومطبوعاتنا إلى الحد الذي جعلنا نعدّه جزءاً من مثالب آثارنا الفكرية ، وبخاصة – أيضاً –
نعاني من مشكلة عدم توحيد الاصطلاحات والمفاهيم !!
-كيف ؟
-أنا أقول : رومانطيقية وغيري يقول : رومانتيكية وآخرون يقولون :
رومانسية !!
وهناك من يقول : المدرسة الكلاسيكية وسواه يقول :
المدرسة الكلاسية .. وفريق ثالث يقول : بل المدرسة القديمة (!!!)
ومن المؤسف أيضاً أن أقول :
هناك من يتعمد الغموض .. أو يلجأ إلى الإغراق في الرمز فيما يكتب ..
وعندئذ يحتار القارئ : هل ما يقرؤه هو تغريب مقصود من الكاتب ؟!
أم أن هناك أغلاطاً مطبعية في هذا الكلام المسطر ؟! وإذا كانت هناك أغلاط فأين هي ؟!
والغموض لم يعد معاصراً ، ثم إنّ هناك مفارقة في غموض الحداثة وتعقيدها ، وهي أنها جاءت ضد فكرة الالتزام بخدمة الناس والمجتمع !!
هذه الفكرة سادت ، بل تمسك بها كثيرون من الأدباء والفنانين في يوم الناس هذا !!
وقد مارس هذا الغموض في بعض الأحيان أناس كُتّاب يعدّون أنفسهم ملتزمين !!
ولأضربنّ لكم مثلاً في مسألة الغموض هذه ، فقد قرأت في كتاب هذه الرؤيا :
لم يكن في الصوت سفر
لأغانينا الجديدة
لم يكن للوقت شمس
تحمل الروح إلى صبح
يعيد الخلق في أيدي النهار
لم يكن غير الحصار
وطن مثل الطريدة
جرحه يكشف موسيقا النشاز
وفراغات الجهات
ليكن في الدرب وقت للعتاب
وفضاء لضياء الثمرات (!!)
وحتى هذه اللحظة ، لحظة كتابة هذه الكلمات لم يصلني شيء !!
الكلمات تنثال ..
الكلمات تتدفق ، من دون خيط يربطها ، من دون رؤيا تكشف عنها
وأقول بأسف على الأعم الأغلب ما ينشر عندنا وما يقال من شعر يدخل في هذا الإطار العام ( المعمّى) الذي ليس من ورائه ما يفيد !!
والأمثلة أكثر من أن تحصى وهي تغطي مساحة من الورق تفوق الوصف ؟! فلمن هذه الكتابة ؟! ولماذا ؟! وإلى أين يتوجه هذا الكلام المرصوف ؟! إلى أين هذا الشعر ؟ وهل هناك من هدف بيّن مُشرق يهدف إليه ؟!
وأذكر هنا : أن ( شيموس هيني ) الشاعر الإيرلندي الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام ( 1995) قالت عنه الأكاديمية السويدية في بيانها :
لقد اخترنا ( هيني) لأعماله التي تميزت بجمالها الشعري وعمقها الأخلاقي، ولم يكن شعره إلاّ شعر الفحص الدقيق للفكرة والعالم والعواطف ، لم يكن إلاّ ليعطي الإحساس بالحياة الخصبة والمتجددة .
ولم يتناول في موضوعاته الشعرية إلا الأمور العادية المألوفة التي يهتم بها الناس ، وقد تفوق في تنوير هذه الأمور بحيث تتألق إشراقاً ووضوحاً، وهذا هو سرّ شعبيته لأن الجماهير عندها اللهفة والحنين إلى معرفة أمور الحياة في صياغة كلامية .
ما بين إصبعي وإبهامي
قلمي الجاثم كالقرفصاء يقبع
إنني سوف أحفر به !!
ليس من شك أنّ إنساننا المعاصر هو معرض لضغوط هائلة على وقته وحياته ، وهو لن يستطيع التوقف عند هذه المعميات والرموز لفك شيفرتها أو تحليل غموضها !!
هناك مئات المحطات الإذاعية ومئات القنوات التلفزيونية بفضل(الدش) وسواه ، تبث مالذّ وطاب، وهناك مئات الصحف والمجلات والدوريات والنشرات أو الآلاف منها التي يحملها البريد إلى البيوت والناس كل يوم ، هناك دور السينما والمسارح والموسيقى وميادين الرقص والفنون والمعارض الفنية والمحاضرات والندوات و.. و.. تقلص العالم في هذه الأيام ، صارت السفريات والإجازات والسياحات تتطلب حقها من وقتنا ، وأيضاً ذاعت ألوف الكتب والروايات وركام من الشعر والنثر ، تكديس مرعب صار يحاصرنا ، في المكتبات ، في الجرائد ، والمجلات والمطبوعات .
ذلك كله يبعث في النفوس الحسرات وإنساننا – اليوم – يحار في تحديد توجهاته وانطلاقه ، يحار ماذا يقول .. ويتساءل :
من يخاطب مَنْ؟ وعلى أية أرضية يمكن أن يقف وإلى أية غاية ينشد ويقصد ؟!
إن الغموض ، لم يعد معاصراً .
وهذا هو الكاتب الروائي ( اتش –ج- ويلز ) يقول بعد قراءته لرواية جيمس جويس ( يوليسيز) بعد أن تركها بين يديه مخاطباً له :
لقد تمتعت أنت بكتابة الرواية أكثر مما تمتعت أنا بقراءتها ( !)
ليس لديّ الوقت لحل هذه الألغاز .. أو أن أخصص لها
ساعات من الساعات الباقية من حياتي (!!!)
والتاريخ في النهاية غربال
وأنا أسألكم : هل تتمتعون بالقراءة اليوم ؟! .

نزار نجار

المزيد...
آخر الأخبار