المنودراما … مسرح فقير أم ثري..؟

كثر اللغط حول فن المنودراما ,هل هو حالة نرجسية يقدم عليها الكاتب المسرحي بأن يبدع نصاً لإنسان واحد (ممثل وحيد) مسكون بأصوات كثيرة متنوعة ,ويحضر الممثل ليكرس النرجسية ,المنودراما يحمل خصوصيته بدءاً من فكرة النص إلى بنية النص الدرامي المسرحي ,وتتسع الرؤيا لهذه الشخصية التي تبوح بمأزقها الإنساني والروحي.
تجارب …علامة مضيئه
نذهب للمنودراما لنضيء عوالم غامضة من هذه الشخصية ,إذ لا يوجد له شريك على خشبة المسرح ,وكأنه يحطم الشكل السائد للمسرح المتعارف عليه ,من الحكاية إلى التصاعد الدرامي وتشابك الأصوات (الشخصيات المتخيلة) حتى الخاتمة , ترى هل هو مرآة يعكس عزلة الإنسان المعاصر الموحشة ,في زمن يحمل الجنون ,وكأنه يقف أمام المرآة ليبوح بأوجاعه وآلامه ,ثم يحطم هذه المرآة كي لا يفضح جنونه للناس وربما ليشهره للعامة ,لأن النص المنودراما يحلم بفضح المكبوت والجهر بالحرية,هذا النداء الإنساني يمتلك فضاء روحياً وشرطاً فنياً ليقدم رسالته الفكرية والفنية .ومن التجارب الهامة في المسرح السوري (بفن المنودراما) تجربة الشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان عندما أبدع أول نص وهو (حال الدنيا) وقام بتمثيله وإخراجه الفنان «زيناتي قدسية» ,وبعدها كرت السبحة فكتب منودراما (أكلة لحوم البشر )مع زيناتي قدسية ,وبعدها قدم نصّ (القيامة و الزبال ) وجميع هذه التجارب من تمثيل وإخراج زيناتي قدسية ,لقد تمت الشراكة الإبداعية بين الكاتب ممدوح عدوان والفنان زيناتي ممثلاً ومخرجاً للعرض المسرحي ,وكنت أتمنى أن يسند الإخراج لمخرج آخر ,كي تتسع الرؤيا وكي تكون مرآة للمثل يلتقط التفاصيل التي يمكن أن تسقط منه سهواً في زحمة الإبداع ,وهذا لا يقلل من نضج هذه التجربة الثرية في المسرح السوري ,بل إن الممثل اللبناني القدير رفيق أحمد ,الذي لعب دور كليب في المسلسل (الزير سالم) قدم مونودراما (الزبال) بإعداد جديد وقدمه بعنوان (زواريب) وكانت تجربة متقدمة عما قدم سابقاً .ممدوح يحلم….؟
لقد كان يحلم الشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان من نافذة المونودراما بأن يقدم مسرحاً فقيراً(بالإكسسوار والديكور) يمكن أن يوضع بحقيبة صغيرة أم كبيرة ليتم التجوال به على المدن والقرى المنسية ليقدم مسرحاً فقيراً بالإكسسوار والديكور ثرياً بمضمونه الفكري والفني ,وهذا الرأي صرح به في مهرجان حماة المسرحي بعد أن قدم إحدى تجاربه مع زيناتي ,ولكن الفنان زيناتي كان يثقل على نفسه وعلى العرض المسرحي بديكوره وإكسسواره , مما منع أن تنطلق هذه التجربة إلى فضاء أوسع مما قدمت .
تجربتي مع المونودراما ….؟
في عام 1997أنجزت كتابة نص المنودراما (وسقط النصف الآخر) ,وهذا النص يقدم تداعيات رجل محاصر بالجيران الذين حولوا بيتهم لوكر للدعارة وتطارده موسيقى وأغنيات تعبر عن حالة الانحطاط والعهر السائد في كل مفردات الحياة , وهومهزوم سياسياً بعد حصار بيروت عام 1982وما جرى بعدها من تنازلات وخصوصاً ,خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت .
هي تداعيات متسارعة على المستوى الخاص والعام ,فقدمت هذا العمل باسم نادي الفارابي (الذي غيب عن النشاط المسرحي منذ تلك الفترة …ولا أعلم لماذا )فأسندت الدور للفنان طلال محفوض وقدمت عروضه على مسرح المركز الثقافي بسلمية عدة أيام ,وكانت هذه التجربة ,برأي الجمهور والنقاد تجربة مهمة على صعيد تقديم المونودراما , وكنت سعيداً بما حققته مع الفنان طلال محفوض ,وأعدت التجربة مرة ثانية لمهرجان حماه المسرحي وأسندت الدور للفنان حيان داوود ,نعم هو اختبار مع ممثل آخر ورؤيا تتسع وتنضج أكثر عن التجربة السابقة وحصد الفنان حيان داوود جائزة أفضل ممثل بالمهرجان .
عود على بدء…
إن تجربة المونودراما بما تحمله من خصوصية وفرادة بالمسرح العاصر , هي على جانب من الصعوبة والإشكالية في البناء الدرامي (أثناء الكتابة) أو آلية تنفيذه (كإخراج ) وبحاجة لممثل استثنائي بالأداء والتعبير والتلوين,لأن نص المونودراما يتصدى لتقديم المختلف عن السائد سواء على صعيد البنية الحكائية ,أو الشحن الانفعالية التي يرسلها للمتلقي ,والرموز والشارات ,التي تحمل رسائل هامة يبوح بها الممثل (الفنان) وهو يقدم عرضه للجمهور .
ما زلت أحلم بأن أقدم مونودراما (الاقتراب من حافة) وهي من تأليفي كون المونودراما رغم الصعوبة في إخراجها ,إلا أنها المتعة البصرية والفكرية،وأعتقد أن هذا ما ينتظره الجمهور بعد غياب طويل عن خشبتنا.

محمد أحمد خوجة

المزيد...
آخر الأخبار