تعلمون عِلم اليقين أيها الأكارم أن حياة الكائنات الحيّة ـ وبينها الإنسان ـ ترتبط ارتباطاً وثيقاً شديد الإحكام بالهواء، وتعرفون أن انقطاع التّنفس لدقائق يؤدي إلى قطع الحياة, وبتر الوجود.
وإذا كان تَقَطّع الأنفاس شائعاً في غمرة الحياة العصرية الشائكة و( المتشربكة ) فهو خير من الانقطاع التام الذي يتأتى ويجيء حالَ الابتعاد عن الهواء, وانعدام الاستنشاق, وكَتْم الأنفاس، و الاختناق عموماً لحائلٍ , أو مانع بين الرّئتين والأكسجين المطلوب لديمومة العيش، ومن الحوائل والموانع هناك الماء ( بيت القصيد هنا) الذي إن وقف سَدّاً بين جهاز التنفس والهواء سرعان مايحيل (البطل) إلى غريق سواء في بحر, أم نهر, أم بئر.. وهناك من يغرق بشبر ماء. !.
بعيداً عن الماء والسوائل, والجوامد, ما رأيكم بمن يغرق وهو في الهواء الطّلْق, وبمن يغرقون وهم يرتعون في مسالك العيش ورحاب الحياة.؟
إليكم الأدلّة الناصعة, والبراهين الساطعة, والفبركات اللامعة:
ـ الغرق بالحب من أول نظرة.!
ـ الغرق في عيون ليست بلون البحر, وبالقَدّ والشَّعر, والجَمال والثّغر , والخدّ والنّحر.!
ـ الغرق ـ إلى القاع ـ في بطن كبير واسع لهاتف جوّال.!
ـ الغرق ـ حتى الشّوشة ـ في هموم , وغموم , ومتاعب , ومثالب , وضربات , وصدعات , وإرهاقات, وإرهاصات الحياة اليومية.!
ـ الغرق ـ وصولاً إلى القعر ـ بالشجون والدّيون، والتّعهدات والكمبيالات, وبآهات بعد الآهات.!
ـ الغرق تحت أكداس الفواتير.!
ـ الغرق المهزلة ـ حتى الاختناق ـ في بطون الميكرويات والسنافير. !
ـ الغرق في ظلام دامس , وديجور عابس، وعتمة حالكة, وظُلمة شائكة عند انقطاع الكهرباء في موعد التقنين, وعند انقطاعاتها ـ فجأة وارتجالاً ـ في مواعيد, أو على الأصح, في أوقات ليست بالحسبان , لتكدير صَفْوِ الإنسان.!
ـ الغرق ( الإلكتريكي) الكهربائي ـ في غيبة التّيارـ متعدد الجوانب والآثار.. فهو يُكَهْرب الأعصاب, ويُشَوّش الأصحاب, ويسبّب كثيراً من المشاكل, ويؤدي للشلل في الحركة والمفاصل.!
ألا يحضُركَ بعد استعراض أجزاء وأنواع من الغرق البعيد عن الماء, والكامن في الهواء الطلق, ألا يحضرك قول المتنبي أحد عمالقة الحكمة:
أنا الغريق فما خوفي من البَلَل..؟!
غزوان سعيد