كثيراً ما ينعكس خوف الأطفال من مواجهة عالم الآخرين باختلاف أشكالهم وهيئاتهم وسلوكياتهم وأيضاً أعمارهم ، و قد تبدو مظاهر الخوف بعجز الأطفال عن مواجهة الغرباء أو التلعثم و الرّجفة المتهيّبة المواجهة و خاصةً في التجمّعات و بين الغرباء .
س- ق أم تشكو عجز ابنها ذو التسع سنوات من مواجهة أقرانه من الأقرباء و إذا ما حاولت بدفعه و تشجيعه عبّر لها عن مدى خوفه من انتقاداتهم و تقييمهم له إن كان على صواب أم لا، و إن كانوا سيحبّونه أم لا.
يعرف اضطراب القلق الاجتماعي أو الرّهاب الاجتماعي بأنّه حالة من حالات الإعاقة النفسيّة نتيجة لما يترتّب عليه من عجز الفرد عن التّعبير وعن ما بداخله من مكنونات داخليّة ، وهو خوف ملحوظ أو قلق غير مبرّر بسبب موقف اجتماعي أو أكثر ، ويبدو ملاحظ من خلال تهرّب المرء ذي الرّهاب من التجمّعات و إذا ما فُرض عليه الدمج بشكلٍ أو بآخر فيُغطّى بثورة غضب و تلبّك شديدين أو تجمد و انكماش محاولات للانسحاب والهروب من الموقف أو الفشل في الكلام أو التلعثم في المواقف الاجتماعية المشابهة و قد يُغطّى في بعض الحالات بالبكاء سرّا أو علانيّة .
ح – ق : تسأل عن المواقف الأكثر شيوعاً و الّتي تبدو فيها مخاوف القلق الاجتماعي متجلّية .
تتعدّد المواقف التي تعكس هذه المخاوف لكن أهمها يتمثّل بـ :
مواقف إجراء المحادثات و عند مقابلة أشخاص غير مألوفين أو غرباء وفي حالة الأداء أمام الآخرين كإلقاء كلمة أو أنشودة .
أما عن معايير التشخيص فتختلف حسب الأعمار فلدى الأطفال تبدو واضحةً من خوف الطفل من الغرباء و التلبّك الواضح أمّا في المراهقة فتبدو خوفاً من النقد والتقويم الاجتماعي، و إذا ما بلغ المرء سنّ الخامسة والعشرين فتتراجع معظم المظاهر وربّما حد الاختفاء أو تتحوّل لتكون بهيئة خجل مستتر ببعض الحياء كما أنّها تظهر على الإناث أكثر من الذّكور .
يسأل بعضُ أولياء الأطفال عن أسباب اضطراب القلق الاجتماعي :
الحماية الزائدة عن الحد والقسوة المفرطة من الوالدين تعتبر من أكثر المسببات دفعاً لظهور ظاهرة اضطراب القلق الاجتماعي عند الأبناء حيث تفقدهم حب الاستطلاع و المشاركة كما أنّ الحماية الزائدة مع الحنان الزائد يحرم الطفل جرأته على مواجهة الواقع رغم وضوحه و تقتل به حبّ المغامرة ثم إنها تعزّز الخوف من النّاس و مواجهتهم ، فشتّان ما بين مراقبة الطّفل والإشراف عليه و بين قتل إنسانيته و قصّ جناحيه ، ولا ننسى ما لسخرية الأهل و ذمّهم و الاستهزاء بإمكانية أولادهم من أثرٍ سيئ على شخصيتهم مما يولّد لديهم قبول التعنيف اللفظي و الجسدي و الذي يساهم بشكلٍ أو بآخر بتشويه سلوكيّاتهم و شخصيّاتهم .
معالجة الرّهاب الاجتماعي لا يقل أهمية عن معالجة أي مرض نفسي أو عضوي يسعى من أجله بإجراءات وقائية ثم علاجيّة تتلخّص بتوفير الرعاية المتزنة والحماية المتزنة للأطفال مع منحهم المساحة الكافية للتعبير والتجريب والمحاولة والخطأ مع الزملاء والأصدقاء والأقارب والأهل أيضاً و هذا ما يعزّز ثقتهم بنفسهم و من حولهم و العمل على البعد عن التعنيفين الجسدي واللفظي في داخل المنزل والمدرسة واستخدام أساليب الترغيب لتشجيعهم و الثناء على محاسنهم ومدحهم بما يحبون وهذا ما يكفل خلق علاقة ودّ قويّة بين الأبناء و ذويهم تتأصّل من خلال مشاركتهم النشاطات الاجتماعيّة فذلك يقوّي حصانتهم لاجتياز المواقف الصّعبة سيّما في التجمّعات البشريّة التي تزيد من خبرتهم و قوّة بديهتهم .
الملامح النّفسية و البشريّة تنطلق بلا شكّ من ركن الأسرة في السّنوات الأولى ثم المدرسة و المحيط الخارجي، و لكلّ دور و مهمة و تأثير فردي و جماعي ينعكس على الفرد و الأسرة و المجتمع و البلد بإيجابياته و سلبيّاته .
رندة عبيد