لغتنا العربية استوعبت بحيويتها ألوان الثقافات .. بل تمثّلتها بقدرة فائقة ! .
هذه ــ العربية ــ نشأت في مهاد الجزيرة ثم ارتحلت مع الفاتحين .. حتى وصلت إلى أقاصي المعمورة ..
ونحن ورثناها في العصر الحديث ..
ورثنا هذه اللغة ــ الأم ــ التي نتكلّم بها ونفرح ونغضب ونبوح ونسطّر أرقى الشعر ، وأعذب النثر .. بل نلتفت إلى تراثنا الثقافي ، لنجد فيه أنفسنا ونلاحظ أنّ هذه اللغة مازالت كما كانت ، وعلى الرغم من مرور القرون ، مازالت مفعمة بالحركة ، نضرة جيّاشة بالحياة …
هذه اللغة أدركت البداوة بحضرها ووبرها … فنهضت بالمعاني وعبّرت عن نمط المعيشة وعن خلجات النفس وقلق الروح ! !
ولولا هذه العربية التي بقيت صامدة ما بقي للثقافة العربية وجود في الحاضر ( !!!)
مشكلات وحقائق :
لقد قررّت وثيقة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أنه ( ليس ثمة مناص من تخطيط ثقافي خاص بالطفل العربي يستهدف إنقاذ الجانب الثقافي في شخصيته ويستكمل به تكوينه الثقافي ) …
وعندما تقول وثيقة كهذه أن الهدف هو إنقاذ الجانب الثقافي ونحن نعرف مدلول كلمته ( إنقاذ ) ندرك على الفور ما تعنيه ثقافة الطفل العربي من محنة وإهمال ! !
الطفل العربي منذ نعومة أظفاره يتعلم لغة فصيحة في المدرسة ، ثم ما يلبث أن ينطلق خارج المدرسة فيستعمل لغة غيرها في البيت والشارع لتتشابك ثروته اللغوية فيصبح قاموسه اللغوي عامياً وفصيحاً ( ! )
والصعوبة التي يجدها الطفل في لغته في أسلوب الكتب الوعر البعيد عن قواعد البلاغة العربية والهابط جمالياً وموسيقياً وقاموسياً ستجعله هذه الصعوبة يبتعد تدريجياً عن منابع العربية . . ليقع في اللحن والغلط ويميل إلى التعبير العامي وربما يتّجه ــ من بعد ــ نحو الثقافة الغربية ( !!!)
إنّ البحث في لغة الأطفال ( القصصية بخاصة ) يحتاج إلى مغامرة , لأنه ــ حتى الآن ــ ليس هناك معجم لغوي دقيق للأطفال خاص بهم !
لذا فمعرفة المفردات الأساسية للطفل تغدو أمراً صعباً متعذراً ( ! )
ولنسأل أولاً :
ــ ما الأنماط اللغوية التي يجري تعليمها في كل صف من صفوف المدرسة الابتدائية ؟ !
وــ هل التركيب الحقيقي يلائم الطفل لأنّه يفهمه ويراه في عالمه المحيط به؟
ــ نقول : جاء الرجل يصرخ وهو يرفع صوته
أم نقول :
بدأ الكتاب يصرخ ويرفع صوته ( ! )
فهذا تركيب مجازي ( استعارة ) وما أكثر وروده في قصص الأطفال …
ثم لا ننسى مبدأ ضعف ارتباط الطفل بالواقع نتيجة استخدامه التراكيب المجازية وما
يدور على ألسنة الأطفال ، وما يكتب للطفل على الأعم الأغلب يعتمد على هذا المبدأ :
( القطة تتكلم والحصان يخطّط والعصفور يرفع صوته بالشكوى ، والدمية تحتجّ وتتذمّر ! ! )
حوار وبكاء وصداقات ورحلات !
وكاتب الأطفال يرتفع بلغة الأطفال ويستخدم هذه التراكيب المجازية القريبة من لغتهم وعالمهم ..
ربمّا تواجه الطفل صعوبات لها صلة بتأخير الفاعل وتقديم المفعول به
( حضر الحفلة زائر غريب ) أو تقديم الجار والمجرور على الفاعل
( انتصر عليّ صديقي ) أو استخدام تركيب غير عربي نتيجة النقل والترجمة ( كم هو جميل ! ) بدلاً من ( ما أجمله ! ) أو التقديم والتأخير غير المبرّر ( أين ، في كلامك ، الصدق ؟ ) و ( اين في الصورة الرجل ؟)
أو استخدام الجمل المعترضة ( لماذا بعد غياب طويل حضرت إلينا ؟ ) ..
ــ قضية اللغة قضية شائكة وشائقة ، شائكة حين تكون الألفاظ فوق مستوى الأطفال الذهني ، ولا علاقة لهذا الرصيد اللغوي المثبت بالمقررات المدرسية .
بالرصيد اللغوي المستعمل في أدب الأطفال ( ! )
وإن كان من الأفضل أن نستخدم في أدب الأطفال الرصيد اللغوي والمنطوق اللفظي المثبت في المقررات الدراسية وشائقة حين نتجاوز هذه الصعوبات ونضرب صفحاً عن العقبات ونبدأ في طرح الألفاظ المأنوسة والجمل القصيرة والعبارات الفصيحة التي يقدر الطفل على فهمها ، وتحقّق لديه الفائدة والمتعة ( ! )
ويجدر بنا أن نشير إلى الدكتور فاخر عاقل هنا ، إذ أحصى لنا المفردات الأساسية للقراءة الابتدائية ، وقد جعل ذلك في ( معجم ) رصد فيه كلمات كتب المطالعة المقررة لتلاميذ الصفوف الأولى من المدارس الابتدائية في الأقطار العربية ! !
وقد أثبتت الدراسات اللغوية أنّ الأطفال يفهمون اللغة العربية الفصحى وإن كانوا عاجزين عن التحدّث بها ..
والطفل يسير في اكتساب اللغة بمعدّل سرعته في المرحلة الأولى عن المراحل التالية ، لأنه يلتقط كل جديد من الكلمات ولأنه يكرّر ما يسمعه ويتعلّم المحادثة ، بل يجد متعة في توجيه الأسئلة ،، والنمو اللغوي للطفل يخضع كغيره من ألوان السلوك إلى التفاعل ، تفاعل كل من العوامل الوراثية وعوامل البيئة الثقافية المحيطة به …
نزار نجار