اتصلت فيه ذات مرة لأستفسر عن وضعه الصحي ، و كانت المعرفة بيننا تقتصر على إلقاء التحية في أروقة جريدتنا الغالية ( الفداء ) ، و بعض القراءات التي تخصه من زوايا أو أشعار ، و كنت عندما يقع نظري عليه ، ألمس الهدوء الخبير بالحياة و معضلاتها التي لا تحل ، حتى وجدت مصادفة مجموعته امرأة و نصف رجل فوجدت ما أحب من الشعر، حيث أشعاره تغني بهدوء و فرح ،و لبست العصرنة ثوباً لقربها من القلب و صدقها و تنوعها.
عز الدين سليمان من مواليد 1953 قرية شطحة في محافظة حماة ،حصل على إجازة اللغة العربية عام 1977،عمل بالتدريس، و أحب العائلة فرزق تسعة أولاد. عضو في اتحاد الكتاب العرب ، و من مجموعاته الشعرية : إليك سيدي 2003 و يغازلك النبع كي تشربي 2003 و التفاح الحرام 2006 و عطر الجنة 2008 و حوار الغيم و الورد 2009 و مجموعة امرأة و نصف رجل 2011 ،الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، تقع في 173 صفحة و تضم 50 قصيدة متنوعة المواضيع . توفي شاعرنا في 3 تموز 2018 .
تحت عنوان (كفارة) في مجموعته ( امرأة ونصف رجل ) رسم قصة كاملة لحبيبين ، دائماً هما في خصام ،و دائماً هما على وفاق حيث ينسى القلب القسوة و تتشرب نياطه الشوق و المحبة، ليغفر و يغفر ثم يحب و يحب ، فقال في كفارة و ضمن الصفحة الثامنة:
كفارتي
أصوم العمر كله
لأنني أقسمت ألف مرة
بأنني
غداً سأنسى صوته
و شكله
و كلما يمر قرب بيتنا
تصير روحي وردة تحرسه
يصير قلبي ظله
آما قصيدة (عرس ضحى) ونجد في سالف الشعر نفس الموضوع ،و هو أن يحضر الشاب عرس من اختار قلبه من الصبايا ، استطاع الشاعر مزج الأسود بالأبيض و بيان الجمال بالتضاد ، بعد أن رفع المجهر فوق المسافات ليظهر الفرق بين ما يجول في صدره و خلده و طبيعة ما يجري أمامه، فقدم خمسة و عشرين بيتاً كانت وافية كافية لعرض القصة و ما يتعلق بها حتى من مفردات المجتمع المحلي ،منها أسجل من الصفحة الرابعة عشرة:
كنت في العرس غريباً مثلما
ذئبة ترضع من حلمة شــــــــــــاة
الزغاريد التي أسمعهـــــــــا
لم تكن إلا عويل النادبــــــــــــــات
ثوبك الأبيض يبدو كفنـــــــاً
لم تكوني فيه بل كانت رفاتــــــــي
و المعزون على طاولتـــــي
مثل أشباح وراء الظلمـــــــــــــات
و وشاة الأمس ما أكثرهـــم
حطموا روحي و غمز الراقصـات
كيف تنسين كتابات الهـوى
فوق نهديك ؟ و نزف الزهـــــرات
و مواضيع المجموعة تقفز بين الغزل و الطبيعة ، التفاؤل و الذكريات ، كما عرجت على الهموم الاجتماعية مؤطرة بالتاريخ معنونة بالسياسة ، و قصيدة بعنوان (حدثتني أمي ) تأتي على هيئة حوار فاجأني بانتقالة سريعة من الغزل و وصف البيادر إلى موضوع القصيدة و تمنيت أن أرى تاريخاً في ذيلها لأن أغلب القصائد حملت تاريخاً ،و مما ورد في الصفحة الخمسين :
وكيف سيحرس الأحلام رمح
إذا ما الخوف أورق في القناة
و ننسى أننا عرب أبــــــــــاة
ونبكي إرث أجداد أبــــــــــاة
و كنا هل تذكرنا بأنــــــــــــا
غرقنا في غباء الذكريـــــــات
خرجنا و الخوارج في دمانــا
أنحن الخارجون من الحيــــاة
يؤذن يائس فجراً و يغفــــــو
وما نفع الأذان بلا صــــــلاة
عندما تقرأ المجموعة ، تجد في كل فصولها الشعرية و الزمنية و الشكلية تأثر الشاعر بطبيعة قريته الجميلة ، فتشعر ببرودة ظلال الأشجار و تسمع رقرقة جداول المياه و تشرب ما تشرب منتشياً بألحان العصافير ، و هذا ما ورد في الصفحة السادسة و الخمسين في قصيدة(من حكاية جدي):
هناك خلف الربا الصاعدات
حكاية جدي الذي عاش سبعين عاماً
ثمانين
أكثر
يداه أما بيدران
و عيناه هل نجمتان
خطاه قطيع من الغيم
يشمخ كالسنديان
و يبقى عصياً على النازلات
أصابعه تشرب الصبر
مثل الفراشات يشربن ما خبأته
يد الصيف في الداليات
أما الصور البلاغية فقد زادت من جمالية القصائد ، ممزوجة بخيال قدير يبض بحب وفير، و من بعض تلك الصور ما ورد في قصيدة(امرأة ونصف رجل)عنوان المجموعة ، حيث قال :
نهض الضحى كي يستعير ردائي
أنا شاعر و العشق من أسمائي
بي رغبة للموت لا تستبشـــــري
غمرت مويجات الأسى مينائي
شجري وعدتك أن يظل معرشــاً
والظل يفضح كذبة الصحراء
مطر الصبا غمر الجذوع و هزها
وسقى بقايا العشب في بيدائي
لا تحسبي أني رجعت متوجــــــاً
إني رجعت مضرجاً بدمـــائي
قد بح صوتي في الدروب كأنني
أعمى يصيح لأخته الصمــــاء
تلك الجرار الفارغات تقول لي
إشرب فإن الخمر خير دواء
رحم الله شاعرنا الغالي !.
شريف اليازجي