كان ذلك في عام 1962 من القرن المنصرم ، كنت فتى يافعاً لم أتجاوز الثانية عشرة من عمري ، وكنت طالباً في الصف السابع ، في شعبة تحمل الرقم 3 من شعب إعدادية أبي الفداء الرسمية .
وإعدادية أبي الفداء كان موقعها في مدخل حي المدينة ، وكانت مجاورة من الخلف لقلعة حماة الأثرية ، وقد تحولت فيما بعد إلى ثانوية الفنون النسوية ، قبل أن يهدم مبناها كاملاً ، إثر إزاحة جميع المباني المحيطة بالقلعة الشامخة والتي كانت تحجبها عن أنظار المارة .
في تلك الأيام كنت مغرماً بالصحافة والمطالعة ، وكنت أيضاً مولعاً بإصدار مجلات بيتية ، أرسم رسومها بريشتي أنا ، وأكتب سطورها بخط يدي ، ويتداولها الأهل والأقارب والأصدقاء، وقد كان من بين هذه المجلات مجلة أسميتها (الحرية ) ، كانت مجلة ثقافية جامعة ، تحتضن بين دفتيها ما ينوف عن ستين صفحة ، فيها الطرفة والقصة والمقالة والشعر والسيناريو والرسوم المنوّعة ، حتى الأخبار السياسية كانت موجودة ضمن مواد المجلة !
وقد أحببت وقتئذ أن يطلع أستاذ اللغة العربية على هذه المجلة، لعله يعطيني بعض الملاحظات والتوجيهات ، وكان أستاذنا في ذلك الوقت هو عمر موسى باشا ( دكتور الجامعة فيما بعد ) رحب الأستاذ موسى باشا بمحاولتي الأدبية ، وتصفح المجلة قليلاً ، ثم طلب مني أن أتركها معه لبعض الوقت .
في اليوم التالي ، ناداني الأستاذ بعد دخوله الصف ، عندما أصبحت قريباً من منبره ، قال لي بأنه قد أخذ المجلة إلى الإدارة ، فأعجب بها الأساتذة أيما إعجاب ، وأن المدير الأستاذ فضل شعيب قد قرر إهدائي هدية ثمينة مقابل جهودي الأدبية والثقافية ، فكدت أطير من الفرح ، بخاصة لما علمت فيما بعد ، أن المدير ( وكان مدرساً للغة العربية ) قد اصطحب مجلتي خلال مروره على صفوف التاسع ، وأخذ يتصفحها أمام الطلاب ولسان حاله يقول : هذا ما فعله زميلكم في الصف السابع ، فهل أنتم فاعلون مثله ؟!!
بعد أيام التقيت السيد المدير في غرفته ، فشكرني وأثنى علي ، وأهداني كتاب ( أرض البطولات) وهو رواية لعبد الرحمن الباشا ، ومن مطبوعات دار المعارف في مصر ، وهو الرواية الفائزة في مسابقة وزارة التربية والتعليم ، وقد زين الكتاب بإهداء كتبه المدير بقلمه : هدية تقدم إلى السيد موفق أبو طوق تشجيعاً له على ما يقوم به من أعمال أدبية وفنية ، التوقيع : فضل شعيب .
أما الأستاذ موسى باشا ، فقد أصر أن أصدر مجلة مدرسية حائطية ، أسميناها ( الإنسانية ) بناء على اقتراحه ، لا أذكر تماماً محتوياتها ، لكنني أذكر بعض ما جاء فيها ، ففيها تقرير صحفي كتبته عن رحلة مدرسية قمنا بها قبل فترة ، وفيها زاوية كشفية استقيت أخبارها من الأستاذ وليد أبو طوق قائد الفرقة الكشفية في المدرسة ، وزاوية رياضية استقيت أخبارها من الأستاذ فردوس علواني مدرس التربية الرياضية لدينا، وطرائف عن الطلاب والأساتذة ، منها ما كان يقوله الأستاذ سليمان سلوم مدرس الرياضيات ، بعد دخوله الصف وإخراج دفاتر الوظائف : اللي مو عامل الوظيفة يوقف … وكان بجانبي في المقعد صديقان عزيزان هما خالد ومسدد ، وكانا يتناقشان دائماً في أمور السياسية على الرغم من حداثة سنيهما ( كان ذلك في عهد الانفصال ) ، فكتبت : مسدد + خالد = مجلس سياسي ، أما الافتتاحية فقد أملاها عليَّ الأستاذ موسى باشا كلمة كلمة ، وكتبت باسمه طبعاً .
رحم الله من غادر دنيانا إلى دار البقاء
وأمدّ الله في عمر مَنْ لا يزال على قيد الحياة .!!
د. موفق أبو طوق