الأرض :تنامين على صدري متعبة لاهثة ، تترقبين وصول الهودج الحامل ولادة الصباح ! وصراخ الليل يتدحرج على أعتاب الضوء ! ترتاحين زمان المجاعة ، تولولين جراحاً ترعف مقت الأيام … وصدى الأساطير المحرورة من وقع لهيب احتراق اليباس الهشيم في مروج حضارتنا الراجفة بين الموج والرمال ؟ ! تقلّمين أظافر يديك المطمورتين بتراب المساكب الساخنة ! تحردين من دموع الشمس الحارقة ! تلوذين بين شجيرات الدوالي ، تلملمين أطرافك المعفّرة بالغبار ، والمرشوشة بالطين ، تحفحفين عن وجهك الحنطي وحل السواقي الشاردة ! تتكئين على صدر الأعشاب الطرية ــ تمضغين أطراف ضلوع الدالية الممدودة بغنج فوق حواف المياه الضاحكة في الساقية ! تغتسل خصلات حصرمها .. وتدنو مع هزات النسيم حتى تصل طائعة إلى شفتيك تعلو وتهبط فوق وجهك المنمنم ــ سبحان الخالق ــ كرقّاص الساعة .
الغزالة : متى يصحو في عينيك تثاؤب الصباح ؟ ! ويختمر عند الظهيرة عجين اللحظات المحروقة من شغف الانتظار ؟ !
أنت أيتها الغزالة الهائمة ! تدورين الفيافي والقفار تغمزين الأصيل بكمشة من الشعاع الهارب ، وقتها تحمرّ خدود الهضاب ، ويصطبغ وجه الغروب بوهج الخجل الليلي ، وتبدأ رقصة النجوم بين المدارات ، راغبة في احتضان المجرات ! راسمة مقلة المتعبين زغردة الأعراس ، وصولة الشتاء الخائف المكتوم كالشحاذ أمام بوابة الخريف المخلعة .
الأغذية حنيني تقطّع مزقاً فوق الدروب ! تشوهت معالم وجهه الغباري ، لم يعد يقيني من عينيك إلا عيناك المرهونتان للتوسل والاحتضار .
ما في جعبتي سوى الوله ، والتصوف ، والارتحال ! ياشهقة الزمان المرابي وغصة العطاش وقت الورود على ضفاف ينابيع المحبة ! يلم الخريف العجوز أوراقه متأبطاً أشجاره العارية لاوياً عنق الأخضرار ، يعبئ الربيع كرغيف خبز في زوادته المحبوكة من بقايا تنانير مهلهلة محشوة في وسادة يغفو على صدرها فصل من الأشواق ،؟! وتبقين
أغنيتي ؟ ! الشاحبة الكلمات ، وأشعاري المتدلية كمشانق أعدّت لاغتيال القبلات ! يصدر مرسوم بالعفو عن المحكومين بالحب ، والمحبوسين في زنزانات الارتواء ، ترصدنا الآهات وتفور من دمائنا لغة الشهادة .
موسيقا : من بعيد تصفعني كالسياط دندنات العاصفة ! تعزف الكرة الأرضية على أوتار قلبي كالمدية المتحفزة للثأر القبلي ! من أول مواجهة .. قادمة والمطلية بالشهوة القاتلة .
أمقتك أيتها الطبول ! دوي الغابات تورّع في صدري .
جفلت أعشاش الحباري ، وغاب حفيف الحقول الضّنينة ! فواصلي العزف ، وهزّي السرير ، طفلنا قطّع الليل بالصراخ وهدّ حيل الصباح بالعويل ! .. بالله عليك جرّعيه منقوع الخشخاش ، وناوليني شيئاً أحزم به صداعي ! أحسّس بأن قلبي يهرب من دمائي ! ها أنا اسمع دبيب الحياة تنفر كطيور مداهمةٍ من شراييني ، فواصلي الصّفع على وجهي ما عاد ينفع البكاء .
خضر عكاري