ذاكرة : قلم الحبر الأخضر

عهدي بقلم الحبر طالباً سنة أولى إعدادي كنا نسميه قلم استيلو ولاأدري ماتعنيه استيلو، كلمة فرنسية أم إنكليزية وعلمي أشهر ماركاته باركر أو سينغ وونغ صيني، وكان مستودع الحبر في القلم جراباً مطاطياً نغط ريشة رأس الستيلو بالحبر ونضغط بإصبعنا على الجراب المطاط ثم نتركه فيمتلئ بالحبر وبذا يصبح القلم الحبر للكتابة على أنه كنا نستعمل نشافة ورقية لتسرع بتجفيف الحبر على الورق كي لا يتلغمط أو ذرات من الطبشور الناعم ننثرها فوق الكتابة فيجف الحبر، وكم كان يفور الحبر ويتناثر بقعه على الورق أثناء الكتابة وكم من مرات اتسخت قمصان نلبسها من نقط حبر فارت من قلم وضعه صاحبه في جيب القميص ونسيه ثم كان قلم الحبر الناشف الذي طرد قلم الستيلو من الاستخدام من الطلاب وموظفي الدولة وكل من كان بحاجة استعماله .
وأذكر أن ماركة الحبر كان أجودها باركر أو القطة كقلم الرصاص الخشبي أجوده ماركة كانت التمساح والممحاة ماركة بيلكان وورق الكتابة كورونا…
والحبر مثلما كان أنواعاً فهو ألوان أيضاً أحمر أزرق أسود أخضر صيني وتلك أشهر الألوان وأما الأحمر فهو حبر قلم المعلم يصحح به أوراق المذاكرة والفحص ويسجل به الملاحظة، وعند الطالب هو لون الخطر كلون الدم النازف أو إشارات ممنوع المرور وسيارات الإسعاف والإطفاء وشاخصات الخطر لطرق السفر من منحنيات ومنزلقات وصعود أو هبوط قاس…وكان اللون الأزرق للحبر هو للكتابة عامة واللون الأكثر استخداماً عند الجميع .
وأما الحبر الصيني فكان استخدامه قليل جداً إلا من كتابة عنوان بالخط العريض أو استخدامه في درس الرسم بالحبر الصيني وكان قليلاً جداً وللعلم اشتهرت الصين بلوحات رسم جميلة جداً في تصوير الطبيعة بالحبر الصيني ..
على أن الحبر الأخضر كان ليس له من استعمال البتة في المدارس …ولما كبرت رأيت وعلمت أنه حبر أقلام المسؤولين الكبار من وزراء ومديرين عامين ومحافظين وموظفين كبار فهم جميعاً يمهرون توقيعهم بقلم الحبر الأخضر، وما يزيد غرابة أن توقيعاتهم تلك تكون غريبة وصعبة التقليد بما ترسمه من شخاويط تترسخ فوق بعضها البعض وتكون قفلة التوقيع أحياناً بأشكال هندسية من دائرة أو مثلث أو زاوية باختلاف أنواعها …
وعلى أن بعضاً من مسؤولي هذا الزمان يتفق ومدير مكتبه أو من يوجه إليه الأمر أن في توقيعه رمزاً خاصاً فإن وضعه مع التوقيع، فالأمر حظي بالموافقة منه ويستوجب التنفيذ , وإن غاب الرمز عن التوقيع فلا موافقة ولا ينفذ مضمون الأمر حتى وإن كتب عليه موافق ظاهرياً ولكن لم يضع رمز الموافقة مع توقيعه وبذا يكون قد أفرح من طلب منه موافقة ما بالقبول على المعاملة إلا أنه يفاجأ بعدم القبول لأن المعاملة مخالفة للشروط القانونية والأنظمة المرعية والشؤون القانونية يجهلها المحافظ وبذا يخسر المواطن طلبه ويضيع هباء بعد تعبه ومراجعاته الماراثونية وواسطته ويأسف على فرح مزيف كان لتوقيع تعمد فيه الزيف وبالحبر الأخضر .
فيا من تفرحون التوقيع بالحبر الأخضر لمسؤول لا تفرحوا فربما بتوقيعه لغز يعني ظاهرياً موافقة لكنه بالحقيقة رفض .
محمد مخلص حمشو

المزيد...
آخر الأخبار