أسرة : الأطفال تحب التمارض

يضطرب الجوّ و تزداد مشاكلنا من بردٍ و أمراضٍ و انتكاسات خاصّةً أطفالنا الذّين ما برحوا تشغلهم أيّامٌ يقضونها باللعب و الرّفاهية بالساعات الجميلة بلا أيّ اهتمام لأيامٍ مستقبليّة تطالبهم بتلبية أعباء الحياة و متطلّباتها غافلين أو لا يدرون أنّهم اليومَ أطفالٌ لهم مطاليبهم و غداً كبارٌ لهم ما يُطلب منهم .
أفاجأ يوميّاً و أنا أتفقّد لائحة حضور الأطفال المداومين بالمركز بعددٍ لا بأس به من الغياب و ما إن أتفقّدهم حتى ألاحظ لائحة من الاعتذارات أهمّها التحجج بالطقس الرديء و الأمراض منها الحقيقي و منها الادّعائي و مصدره الأساسي التهرّب من مسؤولية النهوض من الفراش و مواجهة يومٍ باردٍ أو قاسٍ حسب مقياسه الطّفولي الرّقيق.
و قد نجهل كحال الكثير من الأولياء أن ّ براءة الأطفال تُخفي وراءها الكثير من الذكاء والدهاء ، وقد يستخدمهما الطفل لنيل ما يريد أو منع ما لا يريد أو ربما لمجرد لفت الأنظار؛ فالطّفل من عمر التّسعة أشهر يبدأ بمحاولة لفتِ انتباه من حوله وجذب أنظارهم سواء اعتمد على عفويّته المحبّبة أو اعتمد على حيلته المقصودة المكشوفة حينا و الضّائعة أحياناً حيث لا تكشف بل تضع الأهل ضمن التباسات و تساؤلات عديدة .
السيّدة مروة تقول : كل يومٍ و قبل وصول سيارة مدرسته تتجدّد معي قصة ولدي محمّد مع المرض، حتى طبيبه المشرف طمأنني عليه بعد إجراء كافة الفحوصات السريريّة له ، و لفت انتباهي قد يكون بحالة تداعي المرض لأجل غاية في نفسه ملخّصها التهرب من الذّهاب إلى مدرسته .
علينا أن نتعرّف جيداً على حيل أطفالنا خاصة عندما يتمارضون ، وطريقة التعامل المناسبة لصد هذه الحيلة دون جرح مشاعرهم و أذى ثقتهم بأنفسهم .
و ما التّمارض إلّا ادعاء المرض مثل: وجع الرأس، البطن… إلخ من حيل تشفع له عند والديه لعدم تنفيذ أمر ما، وتستدعي اهتمامهما. أو حجة لعدم الذهاب إلى المدرسة؛ لكن على كلّ حال يستعمل التمارض كحيلة هروبيّة من المدرسة مثلاً لذا يجب أن تتأكد الأم في البداية ما إذا كان الطفل مريضاً فعلاً، أم أنه يحتال وذلك بأن تلاحظ عليه من تعبيرات وجهه أنه مستريح أو لا و هل علائم المرض واضحة كارتفاع الحرارة و غيرها
وفي حال صعب عليها الأمر فعليها الذهاب به إلى الطبيب لتتأكد من سلامته.
لا تقتصر أسباب التمارض على الهروب من المدرسة فقط ؟
تتنوع الأسباب التي تدفع الطفل لاستخدام حيلة التمارض ومن أهمها:
رغبة الطفل بجذب انتباه والديه خاصة إذا كان يفتقد الحب والحنان والرعاية، أو كان غيوراً من أخيه أو أخته الصغرى التي نالت مكانه من الدلال، أو كان مهملاً من قبل والدته فيتمارض لكي يكسب الحب والحنان والاهتمام منها.
فالسيّدة جمانه التّي تعمل في مجال المنظمات التي يتطلّب منها سفرا و غيابا عن ابنها الّذي لم يبلغ بعد سن المدرسة و لكنّه يتمارض مع بداية كل مهمّة سفرية لها ..
لتعلّق الطفل الشديد بأمه أهميّة كبيرة و لا فتة و قد تكون سببا مباشرا في خوفه من فقدانها وتركها له مما يستدعيه للتمارض و ذلك جرّاء رغبته في الاستحواذ على جل اهتمامها.
لا يقتصر التّمارض على الهروب من الواجبات الدراسية و حسب بل يتعدّى ذلك للتهرب من أداء الواجبات الحياتيّة اليوميّة كترتيب غرفته و مواجهة أقربائه و أصدقاء الوالدين خاصة إذا ما اقترنت هذه المواجهة بالسّخرية و الاستهزاء من قبل الآخرين .

يتساءل الأهل عن طرق التّعامل مع هذه الحيلة:
بعد مناقشة الطّفل مناقشة مباشرة أو غير مباشرة حول الأسباب الكامنة وراء تهرّبه و تصرّفاته، لابدّ من إشعار الطّفل بالتّقبّل و الحب و العطف و الحنان وإشباع حاجاته النّفسيّة حتى يشعر بالأمان النّفسيّ.
و لتشجيع الطّفل و مكافأته في حالة إقلاعه عن التّمارض أهميّة رائعة و مجديّة و كذلك حرمانه من رحلة أو من مصروف في حالة تحايله.
الأم س-م تتساءل هل يحقّ لي تطنيش و إهمال ابني في هكذا حال ؟
إذا كان الملاحظ و المتيّقن منه هو التّمارض فلا بدّ من تجاهله ، وعدم مجاراته فيما يريد كأن تجعله يتغيّب عن مدرسته سيّما عندما تسمح له بذلك سيصبح التمارض لديه عادة يستخدمها لتحقيق ما يريد.
أمّا عن التّعنيف فيجب تجنّب الضرب والقسوة الشّديدة على الطّفل، واستخدام أساليب أخرى مثل: التّشجيع. فعبارات التّشجيع لها أثر كبير على نفسيّة الطّفل؛ حيث تعطيه الثّقة بالنّفس والقدرة على تحمّل المسؤوليّة.
والاستماع إلى ما يشعر به الطّفل من أحاسيس ومشاكل تعدّ من أهم العوامل.
ما من طفلٍ إلّا و متعلّق بذويه فهو يشعر بالقلق والانفعال عندما يلاحظ أنّ والديه لا يستمعان إليه باهتمام، وهذا يؤدّي به إلى عدم الثّقة بنفسه.
و تبقى التّربية مسؤوليّة ليست سهلة و قد تُبنى عليها حضاراتُ دُولٍ قد خصّنا الله بها لنفوز بها على أكمل واجب ٍ و وعيٍ ٍ و وجه.
رندة عبيد

 

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار