دور الأهل الفعّال بفض الشجار بين الأولاد

جميلة الأسرة الشّرقية بما تُخلّفه من علاقاتٍ حميمةٍ تبدو و تظهر في مرحلةٍ و قد غدا الفتية شبّاناً و رجالاً، لكن هذا لا يعني أنهم لم يكونوا على خلاف في صغرهم وأنّ أيّامهم قد مضت و هم متعانقون يجمعهم كل الودّ ليس إلّا.
فالشجار بين الأطفال لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت ،لأسبابٍ هامّة أو جدّ سطحية.
يسأل الأهل دائما و في خضّم المشاجرات و يأسهم تجاهها هل أصبحنا عاجزين عن حل أبسط المشكلات داخل أسرَنا و هل نحن لهذه الدّرجة من الفشل حتى ننام بمشكلات و نصحو على أخرى ؟

لا بدّ لكلّ أهل من مواجهة أنفسهم عن أسباب الخلاف و حسم الأمور بمنطقيّة لكن قبل الغوص بذلك يجب الانتباه إلى متى يجب أن أتدخّل و متى لا فمثلا إذا كان أحد الأولاد عرضة للإصابة بأذىً جسدي يجب التدخّل فوراً حتى ليُمنع الخطر المحدق و بعد أن يتحقق الهدوء ، لابدّ من الاستماع بعيداً عن التّعاطف إلى حيثيّات المشكلة رغم أنه من المستحيل غالباً أن تصل إلى القصة الصحيحة ، ولكن المهم هو أن شعورهم أن ذويهم محايدون و يتقنون الاستماع الفعّال.
أما في حال لم يكن هناك ضرب أو استعمال العضلات و الأذى في النزاع ، فلا حاجة إلى المسارعة للتدخّل وحل النزاع ، فالأولاد يحتاجون لمثل تلك النزاعات والخلافات ، فهم يتعلمون منها أموراً كثيرة ، ولو حاولنا منع الشجار تماماً فإنهم سيبحثون عن بديل لتفريغ تلك الطاقة و لا ننسى كم من الخبرة تتولّد بهكذا شجارات فكثيراً ما يستمتع الإخوة وهم يتشاجرون مع بعضهم البعض، فيتعرفون من خلال تلك المناوشات على إمكاناتهم ونقاط الضعف والقوة عندهم ، وهم يجربون نشوة الإثارة والانتصار رغم ما تبعثه هذه المعارك من قلق في نفس الأبوين اللذين يصلان لمرحلة الحيرة و العجز أما مشكلات الخلاف سيّما عندما تكون أسبابها واضحة لهم كالغيرة و حبّ التّملك و الشعور بالنقص و انشغال الأبوين أو إهمالهم بقصد أو غير ذلك ، ثم قد يطفو شعور الصغار باضطهاد الكبار و عدم حكمتهم مما يولّد في داخلهم القسوة و الاستعداد لظلم بعضه،م كأن يظلم الأخوة الذّكور الأخوات البنات كما أن الأطفال الذكور يحاولون السيطرة على البنات ، وقد يعيّر الأطفال بعضهم بعضاً بشكل الجسم أو قِصره أو ضخامته ممّا يترك أآثاراً سلبيّة من عقد نقص و غيرها و قد تعزز نقاط الضعف تلك حتى تبدو ظاهرة و مؤثرة مع تقدّم العمر ..
يظن بعضهم أن دوام السّيطرة على البيتِ هادئا بلا مناوشات الأبناء يعني أنّه بالسّلمِ و الأمان .
ليس من علاقة تخلو من الأخذ و الرّد و الشدّ و الجذب ليس بين الزوجين فقط و لا بين الأصدقاء بل أيضا بين الأخوة ، فليس كلّ خلافٍ ضار، فإذا كنت دائم السيطرة على المواقف فهذا يعني أن العلاقة بينهم غير طبيعية ، ومضبوطة بسلطتك أنت عليهم و أن روح العداء و الإحساس بالمظلوميّة و روح الضغينة ستدوم بينهم طالما يُنَفَّس عنها طوال طفولتهم ، وستكون العلاقة بينهم ضعيفة حيث يفضلون الانفصال عن بعضهم في أول فرصة .
و بدل التدخّل السّلبي ليكن التنبيه الموجز بأن لا ضوضاء مع أي خلاف مما يضطرهم لبحث مشاكلهم بهدوء و ربّما برويّة، و إذا ما اضطر الأمر يُصادر سبب الخلاف بشرط إعادته مجرد الوصول إلى حلّ سلميّ ؛ كلّ من الأولاد هو صمّام أمان لأخيه رغم ما يعتريهم من غيظٍ و انزعاج مؤقت .فلا بدّ من الحكمة في التّعاطف المبالغ به أمام دموع المستعطف أو جرأة المتحدّث منهم .
الحثّ ليس على الكبير بالعطف على الصغير و ليس باحترام و طواعية الصغير للكبير و حسب ْ بل بألّا يتجاوز أحدٌ حدوده مع الآخر و شعوره بمسؤوليته تجاهه و مشاعره و هيبته و حضوره .
النّدم مؤسف ٌ خاصّة عندما يأتي أحد الوالدين ليقول لقد تسرّعتُ بمعاقبة أحد أبنائي، الموضوع ليس آنيّ الحكمة و النتيجة بل هو تشكيك الأبناء بحكمة الأهل و إنصافهم و قدرتهم على حمايتهم و تصاعد لعقدة المظلوميّة و ربّما تأجيج لحقد و ضغينة بين الأبناء و رغبة التّشفّي و الانتقام .
لكلّ حالة طريقة معالجة و لكلّ ثورة أسلوب امتصاص حوّل الضغينة لمحبّة و تفاهم و حريّة تعبير و نيل حقوق وفق منهج العقلانيّة و التفرّغ لحل المشاكل و حسن الاستماع و الانتباه فليس من مشاعر و حلول تطرح و الأب عيناه على التلفزيون و الأم عيناها بجوّالها تتبادل الشات و المحادثات مع صديقاتها فبقدر ما يكون الأبوان قدوة حسنة بهذه الحالات بقدر ما يكون تجاوب الأبناء أسرع و تفاهمهم و حسن تدبيرهم بمشكلات الحياة أفضل ليس من طفلٍ يولد و طبعه معه بل نحن من يشكّله و يُشكّل طباعه و سماته النّفسية و منظومته الأخلاقية و المجتمعيّة.
رندة عبيد

المزيد...
آخر الأخبار