عادات حموية تراثية 2 من 2 : العراضة و فك الشركولة و دفتر النسوان

نتابع رحلتنا مع بعض العادات الدارجة في مجتمعنا الحموي ، و التي أصبحت ثابتة بسبب تناقلها بتواتر صم دون أي تعديل أو تدبر في أصلها و فصلها ، و مع دخول خيوط شمس المعارف العامة إلى كل الزوايا ، باتت بعض العادات ممجوجة و تم الابتعاد عنها ، و بقيت الأخرى على ممارسة لأنها تحمل روح المشاركة و الجماعة ، و هي الفكرة الأهم في بناء المجتمعات ، التكاتف و التكافل .
العراضة الحموية
لا يوجد تأريخ واضح و دقيق بخصوص العراضة الحموية أو شقيقتها الشامية ، لكن الدراسات تدل على البدايات المتواضعة لها في الأزقة و الحارات الشعبية ، حيث كان يجتمع شباب الحي ( الزكرتاوية ) و يقومون بترديد بعض الهتافات الشعبية أيضا ، و بعدما كانت المحاولات فردية ، و مع الزمن انقسم المجموع لفريقين و باتت المشاركة جماعية ، و هنا زادت همة الشباب و زاد عنصر التحدي بأصل العراضة ، مما أدخل عليها السيف و الترس و أصبحت لدينا فرقا معروفة بأسمائها اللامعة تشارك في المهرجانات و الأعياد الرسمية ، و تلبي طلبات الموالد النبوية و الأعراس و الحفلات عموما ، و في حماة لا يمكن أن يخلو العرس من العراضة التي إن لم تكن من قبل فرقة رسمية ، فتكون من قبل أقرباء العريس و أصدقاؤه ، حيث تختلف الأهازيج التي تقال في العراضة حسب المناسبة ، و بالعموم تبدأ العراضة بالصلاة على النبي العدنان : صلوا على محمد مكحول العين \ نير و غضير و عادلا و هييي \ يا صلاتك يا محمد و الصلاة صلوا عليه \ و علينا و عليه و على من زار قبره \ مسا الخير و مسا الخير الله يمسيكم بالخير \ عريس الزين يتهنى يطلب علينا و يتمنى \ و شن كليلة شن كليلة \ الله يعينه هالليلة \ من هالليلة صرلو عيلة … بالطبع هنا ذكرنا بعض الجمل المعروفة للعامة لكي لا تكون غريبة على المسامع ، و إنما العراضة تحمل أهازيج أكثر و حماسية بامتياز ، و أصبحت عرفا متداولا .
فك الشركولة و السنينية
لم أسمع بهذا المصطلح إلا السنة الماضية و كنت أنا من نفذه ، حيث لا يمكن للطفل الزحف بشكل كامل إلا بعد ظهور الأسنان الذي يرتبط أيضا بطبخ السليقة ( حنطة مسلوقة ) ، من قبل أهل الطفل و المقربين ، بعد الاتفاق على لمة حلوة في بيت الأهل ، و بعد نضوج الحنطة ، توزع على وجهها بعض الحلويات و توزع للجيران و الأقارب ، و يكتمل اليوم بغداء يضم الحاضرين بهذه الحفلة التي تسمى ( سنينية ) ، و بالطبع لا يمكن للطفل البدء بخطواته الأولى إلا بعد اكتمال عدد معين من الأسنان ، و هنا يحاول الوقوف ليمد خطواته الأولى ، و بالتأكيد فإنه سيتعثر مع كل الهتافات من حوله : دادي دادي \ يا ما شاء الله \ برافو يا الله … و ما إلى هنالك من هتافات ، لكن عندما يتعثر الطفل زيادة ، لا بد من حفلة ( فك الشركولة ) ، و يبدو أهم عناصرها هو من يقوم بها ، فيتم التحضير لوليمة جيدة ، و يتم شراء أكثر من نوع من الحلويات ، و على الحاضرين جلب هدايا بسيطة ، عندها يشكل الحاضرون دائرة كبيرة ، و يربطون قدما الطفل بخيط ضعيف ، ليتركوه يمشي أمام الموجودين ، فيأتي الشخص المعني بفك الشركولة ، و يقص الخيط بالمقص الذي بحوزته ، و هنا و حسب الاعتقادات فإن تعثر الطفل سوف يقل و ستكون مشيته أفضل ، بعد قص الخيط لا بد من بعض الأهازيج و الزغاريد و من تكتمل اللمة بمفرداتها الأخرى ، و تكون الأجواء جدا جميلة .
دفتر النسوان
كنت بزيارة صديق في حماة عندما سمعت من والده مصطلح ( دفتر النسوان ) ، وقتها لم أدرك المعنى ، و أصبحت أتخيل ما هذا الدفتر ؟ و ما لونه ؟ و هل هو دفتر تموين أو مساعدات جديد لم أسمع به ؟ حتى غاب أسبوع كامل و سألت ، لأعرف أن ( دفتر النسوان ) هو مصطلح قديم تداولته النساء القديمات للتعبير عن بعض المعتقدات النافذة أيام زمان و ما زال البعض يتمثلونها تماما ، و منها : لا يجب عيادة المريض يوم الأربعاء لأنه لن يشفى ، لا يجوز إقامة الترس يوم الجمعة لأن العروس سترجع ، لا تخيط ثوبا يوم الثلاثاء لأنه سيكون إرثا ، لا تصب الماء الساخن على الأرض لكي لا تغضب الجن و يجب أن تقول دستور يا حاضرين ، لا يقطعون شجرة في البيت لأنها ستتسبب بوفاة أحدهم ، عندما يحبو الأطفال بالبيت فهذا دليل على قدوم الضيوف ، و حك الحواجب دليل على سلامات حارة ، و ما إلى هنالك من أعراف بعضها ممكن أن يكون ذا تأثير ( مباشر عفوي ) جيد ، و بعضها لا ، لكن بالعموم هي تعطيل للقدرات الذهنية ، و تحد من مبادرات هامة و واجبة .
المحرر
عادات و تقاليد درج عليها المجتمع الحموي ، و بالطبع هنالك غير ذلك ، لكن كان الهدف الأساس ، هو زيادة الوعي و المخزون الثقافي ، مع رحلة لطيفة للماضي ، و مهما كانت التأثيرات السلبية للمعتقدات الخاطئة ، فإنها نوعا ما كانت تجمع الأقرباء و تشكل محبة ضرورية تقرب الناس من بعضها ، لكن الناس المقربة جداً جداً ، و من هنا تنشأ خطورة معينة ، و هي اعتبار كل غريب سيئ ، و بالطبع هذا غير معقول و غير مقبول ، فالإنسان بمكنونه و قلبه و لسانه ، و هذه أمور لا يمكن إدراكها إلا بالتعامل مع الشخص نفسه و عدم الحكم المسبق و المباشر عليه ، و لا نهمل الإشارة إلا أن قوة و جمالية مجتمعنا السوري ، تأتيان من النسيج الاجتماعي المختلف ، و الامتزاج الأساسي في أصل ذاك النسيج ، فلا لون واحد يعطينا لوحة واضحة ، و لا عرف واحد يسير كل أمور حياتنا .
شريف اليازجي

 

المزيد...
آخر الأخبار