ابتلت البشرية بداءٍ اجتماعي عضال منذ زمن طويل, حتى أصبح هذا الداء من مفردات حياتنا, فالتدخين يفرض نفسه على جلساتنا غير آبه بنا. على الرغم من إثبات الدراسات أن التدخين يحرق كل ما حوله بالفعل , فكيف إذا كان المدخن طفلاً بريئاً ضاع بين سحب السجائر, وتوهّم صوابية فعله, وأهمية سجائره .
عند المدرسة
ـ أسوأ المناظر التي نشاهدها يومياً احتشاد مجموعات من الأطفال بجانب مدارسهم صباحاً, والتشارك بنفث الدخان بطريقة يريدون فيها إخبار الجميع بقدرتهم على التدخين . لذلك سألنا أحد مديري المدارس عن مشاهداته لهذه الظاهرة وعن رأيه فيها, فقال: للأسف, انتشرت هذه الظاهرة بين أطفالنا بسرعة, وخاصة بالفترات الأخيرة, بسبب عدة عوامل, منها : الإعلانات الدائمة عن الأنواع الجديدة للدخان, حيث يتم تحضير الإعلان بطريقة تجذب المراهق لحمل علبة السجائر وإظهارها, وهنا نقول بأن الإعلام سلاح ذو حدين, فلقد مُنعت إعلانات التبغ في وسائل الإعلام تطبيقاً للمرسوم الجمهوري, ولكن القنوات الفضائية الأخرى داخل المنازل تؤدي وظيفتها, كما أن صالات الكمبيوتر, ومقاهي الأنترنيت والمقاهي الخاصة, كان لها دور بتقديم وتسويق ما هو أسوأ من علبة السجائر, ألا وهي الأركيلة . فسألناه هل صادفت مشكلة مع أحد طلابك ؟
نعم, حيث تسرّب أحد الطلاب من المدرسة, وأراه دائماً في مكان عمله, مغطى بالزيوت والشحوم, يقدّم الشاي لصاحب المحل الذي بدوره يقدم له السيجارة, التي باتت من مكاسبه في العمل، ودافعه لتقديم الأفضل, وهذا ما يدفعه للاستمرار في التدخين.
دور الأهل
ثائر الحركة ، أب لطفلين ، سألناه عن رأيه بظاهرة التدخين عند الأطفال, فقال:
الدور الأهم للأهل في هذا الموضوع حيث يتوجب عليهم إظهار مخاطر التدخين في سن مبكرة جداً لدى الأطفال, ليتصرّفوا فيما بعد بعفوية تجاه التدخين بأنه عادة سيئة, ويضر بالصحة ، والمدخّن غير مرغوب به, فرائحته مزعجة, والأهم أن يتم ذلك بشكل غير مباشر, وعلى مراحل. فقلنا له: لاشك أنك طبقت ما ذكرت فما هي النتيجة؟ فقال : هذه تجربتي مع أبنائي وحالياً عندما يزورنا أحد الأصدقاء أو الأقارب, ويريد التدخين, يعمل الأطفال على إخفاء الولاعة أو المنفضة, أو يخطفون السيجارة منه, ويقومون بأي إجراء يعبّر عن كرههم للتدخين , ويتضايقون جداً عندما يزورنا أحد الأصدقاء لأول مرة و لا يستطيعون- خجلاً ـ فعل شيء معه.
رأي علم الاجتماع
المرشدة الاجتماعية سوسن جرعتلي , حدثتنا عن رأي علم الاجتماع بما يخص التدخين عند الطفل قائلة : ظاهرة التدخين كما يُجمع عليها الباحثون ليست إلاّ عادة سيئة والعادة بالنسبة للإنسان هي اكتساب ، والاكتساب في أساسه تقليد لفعل أو عمل محدّد, فلقد رأينا أكثر من طفل في سنواته الأولى يقلّد والده بوضع القلم ـ مثلاً ـ في فمه, وينفث الدخان بعدها, ولقد حاورت أكثر من مدخن من خلال المشكلات التي نصادفها كمرشدين اجتماعيين, وقال لي: إن منظر علبة السجائر في جيب قميص والده أغوته, ولفتت نظره, فأحبّ أن يقلّده, و لا نغفل الخطر الأكبر الذي يواجه الطفل وهو رفاق السوء, الذين لهم تأثير سلبي عليه بجرّه إلى هذه العادة السيئة, لذلك لابد من إطلاع الطفل وبشكل دائم على مخاطر التدخين المهلكة ، ولابد من إفهامه بطريقة غير مباشرة , بأن المواد الضارة في الدخان كثيرة أهمها النيكوتين, وهي قد تدفعه فيما بعد لتناول مواد مخدرة أخطر منها, لكن كل محاولاتنا هذه يجب أن تتم بحذر شديد بعيداً عن مسألة العقاب, لأن هذه الفكرة يمكن أن تدفع الطفل للتمسك أكثر بالعادات السيئة, وأن مهمة إقناع الطفل المدخّن بالإقلاع عن التدخين مهمة ليست سهلة وتحتاج إلى صبر وحكمة.
المحرر
لابد من وجود حلول ناجعة لعادة التدخين , و لا تكون هذه الحلول ناجعة إلا بوجود بديل قوي و صارم , يسهم بإبعاد التدخين عن الطفل , فممارسة الرياضة مثلاً لها دور هام في الإقلاع عن التدخين , حيث إن المدخّن لا يستطيع إتمام الرياضة كما يجب. وأيضاً ينبغي إشراك أطفالنا في أي نشاط اجتماعي يقدّمون من خلاله أعمالاً مميّزة , تفيد في قضاء وقت كافٍ لإنتاج عمل هام بالنسبة لهم , كما أن هذه النشاطات تسمح بوجود الرقيب الواعي الذي تناط به مهمة الحفاظ على هؤلاء الأطفال وتوجيههم نحو الصواب وأخيراً, يبقى الدور الأهم للأسرة التي هي الخلية الأساسية في أي مجتمع .
شريف اليازجي