تعتبر الأزمات في حياة الشعوب و الانسان منعطفات حضارية وتاريخية أحياناً وبكل ما تتضمنه من أفراح وأحزان وانتصارات وكبوات .
وهناك بين الأدب والتاريخ علاقة وثيقة جداً، فالأدب يلعب دائماً دوراً مهماً في التاريخ، بحيث يعتمد عليه المؤرخون كمصدر أساسي من مصادر التعرف على فترة سياسية معينة، نظراً لما يرصده الأديب من أحوال عصره السياسية والاجتماعية، والإنسانية، فكان الأدب تأريخاً لكل العصور، وقد ساهم على رصد ملامح أهم الأحداث التى مرت بها الشعوب، فهو لسان حالها منذ قديم الزمن، فالأساطير اليونانية أرخت لتاريخ اليونان، وكذلك حكايات الأدب الشعبي المصري أرخت لتاريخ مصر القديم ومثلها بقية الشعوب .
وقد تتفاقم المشكلات و تتعاظم المعضلات في حياة الشعوب بفترة ما، ولكن هذه الشعوب دائماً تحاول أن تخرج نفسها من محبس الهموم، وتحرر ذاتها من أغلال القلاقل والمنغصات، فتعمد إلى أن تنحت نفقاً ضيقاً للسعادة، ولو كانت لحظية من بين جبال النكد والكآبة وهنا يبرز دور الأديب بعقلية الباحث الخبير وبأسلوبه الساخر فيدون ملاحظاته عن سلوكيات الناس والمجتمعات في الظروف والمناسبات المختلفة، متنقلاً في رحلة ممتعة يصور الحياة الإنسانية، ويجسدها، وبخاصة إذا كان الأديب معاصراً للحدث، وشاهداً عليه، وهنا تكون الكتابات أصدق.وبخاصة أيضا عندما يسمع الكاتب نكتة ما تعبر من خلالها عما يجول بخاطره وخاطر الناس نتيجة للقهر الذي يعيشه الشعب أو عندما يتعرض لموقف هزلي ما يشعر الإنسان بالرغبة في الضحك نتيجة لتواكب أزمات متتالية داخل المجتمع .
إن النكتة تعبر حقا عن روح الشعوب وأفكاره وعقليته لأن روعتها تكمن في تمكنها من التغيير الفوري للحدث، وأنها أداة مهمة من أدوات التواصل الاجتماعي ولولاها لحدثت الانعزالية داخل المجتمع، وفي قدرتها الفاعلة على السخرية، فهي تذبح دون أن تجرح ..إنها نوع من التعبير عن الاحتجاج بشكل ساخر ودليل نجاحها انتشارها في أوقات الأزمات فتسمعها تتداول في المقاهي وأروقة العمل والآن أصبحت أسرع انتشاراً على الإنترنت والفيس بوك. وفي الأزمات يبرز فيها مجال خصب للضحك مهما كانت الأوضاع السائدة لأنها تواكب الحس ..ذلك لأنها أداة للتنفيس عن حالات الضيق والإحباطات المتكررة.
فالنكتة سلاح ذو حدين حيث إنها تضحك من يسمعها وتنتقد الآخر بشكل لاذع وتعمل على إظهار المساوئ والحاذق يفهم . وتعد النكت السياسية والاقتصادية والاجتماعة فن الممكن في النكتة وصياغتها وبخاصة إذا أتت وقت الأحداث . هناك من الشعوب من يحمل حسا فكاهياً عالياً للسخرية من الأوضاع التي يعيشها ومهما كانت هذه الأوضاع مريرة حيث تنتشر النكت بشكل كبير للسخرية من أوضاع سيئة إنها مرآة صادقة لما تحمله من قيم ومعتقدات وممارسات وتصرفات.. ومن جهة أخرى تكشف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الجوانب الخفية للمجتمع سواء أكانت في شكل مواقف أو تطلعات أو رغبات مكبوتة.. وذلك لتوفير التلقائية والدلالية للتعابير والرموز الثقافية وخاصة لارتباطها بالواقع الاجتماعي والمعيش اليومي. فسماع النكته يستفز كل خلاياك الحسية ويجعلك تتشوق لسماعها مستنفراً كل قدراتك للإحساس بلذة خفية عارمة وأنت تتهيأ لمفاجأة ظريفة.. فالنكتة هي محاولة قهر القهر.. وهتاف الصامتين.. إنها نزهة في المقهور والمكبوت والمسكوت عنه.
إنها نتاج فكري طريف يطال كافة شرائح المجتمع.. فلا تدع النكتة رجال السياسية ولارجال الدين ولاعموم الناس.. إنها تطال الأغنياء والفقراء.. الأغبياء والأذكياء.. الصالحين والطالحين.. إنها تعبير خيالي طريف ومضحك يثير أحيانا السخرية وأحيانا أخرى الشفقة لما تسعى إليه من مبالغة وتهويل.. فينفس المتلقي وأحيانا تبسيط وتسطيح للأمور.
هناك أجيال خرجوا إلى الوجود وهم يضحكون ولا يدرون لماذا؟!… أجيال تضحك في السراء والضراء.. وقت الرخاء ووقت الأزمات.. يضحكون قبل الأكل وبعد الأكل… يضحكون حين البرد والحر.. وأحيانا كثيرة يضحكون في كل الأوقات إلا في وقت الضحك الحقيقي، فإنهم يجهشون بالبكاء.. أخيراً النكتة في اللغة تعني الفائدة، وبما أننا نستمع إلى النكتة لنضحك أو نرويها لإضحاك الآخرين، فإننا نفيدهم بانشراح صدورهم وانفراج همومهم ولو مؤقتاً وفي حياة الشعوب برزت نكات كثيرة عندما مرت بأزماتها وهنا البحث يطول والمجتمع السوري ليس منعزلاً عن العالم، ويمتلك بطبيعته روحاً ساخرة متأصلة والنكتة اللاذعة قد تكون منضبطة أخلاقياً واجتماعياً، ولكنها قد تخرج على هذه الضوابط وتتمرد ببعض الإسفاف الساخر فيستخدم لغة بسيطة وذكية تصل لقلوب وعقول الناس لكني سأطرح أمثلة عن النكات في وطننا الذبيح في أزمته واليكم واحدة منها :
قال أحدهم يتغزل بأسطوانة الغاز : ميبلى الأزرق ..ناطرك عالمفرق ..يا حلو يا مبروم ..الملقى ساعة والفراق دوم دخيل اللي عباكي ..وكل ما تتقلي يزيد حلاكي ..هذا عن الغاز وهناك عن البنزين والمازوت وغلاء الأسعار و..و…فرج الله عن الجميع.
محمد مخلص حمشو