يتكرر مشهد الصراخ و البكاء للأطفال في الأسواق و الأماكن العامة في إصرار مزعج لشراء ما يراه خلف واجهات محال الأطفال ، فهو لا يدرك إلا غايته الأولى و الأخيرة لامتلاك ما يشير له ، و يعي أيضا بأن تصرفه هو وسيلة ضغط على الأهل و لا بد أن يستجيبوا له ، هذا الطفل مع ضآلة حجمه و قلة عمره ، يتحرك بغريزة لابد من السيطرة عليها و توجيهها لنتائج أفضل بعيدة تماما عن هدف الفعل الابتزازي ، في مسير حقيقي لتصويب شخصيته و دفعه للالتزام بالمبادئ العامة ، و بالتالي تكوين الشخصية السليمة ….
حقيقة
يشير علم نفس الأطفال ، إلى أن الطفل بين عمر سنة و نصف و حتى الرابعة ، يمر بمرحلة ( العناد ) ، و هو ما يكون سببا للتوتر الدائم الذي يعيشه الطفل ، و من أحد النتائج التي تطفو على سطح تلك الشخصية الهشة ، هو ما أشرنا إليه من فعل ابتزازي باستعمال الصراخ و الفجور أمام العامة لأنه يدرك بأنه يضع أهله أمام موقف محرج فلا لابد من الاستجابة لطلباته ، هنا لدينا أكثر من طريقة للتعامل مع الموقف ، لكن يجب عدم الخضوع لفعله و الرضوخ لطلبه المغلف …
كيف؟
توقع و استباق الحالة ، أمران مفيدان لمنع بداية الفعل الابتزازي ، و يكون ذلك بعدم رضوخ الأم لطفلها مهما كان الموقف ، بأن تفهمه بداية بأن ما يزعج الناس هو صراخه غير المبرر ، و أن الناس يدركون أن الأم ستتعامل معها كيف ما يحلو لها ، بمعنى آخر يجب أن تحمله مسؤولية ما يجري و تبرز سلبية الموقف ، و يكون استباق الحالة بقولها : نحن سنذهب للسوق و لكن لا تطلب شيئا أمام الناس و إلا لن نشتريه و يجب ان تكون اللهجة حازمة ، و تتابع التوقع ( بالتشتيت ) ، أي بأن تقول له : لن نشتري تلك الحلوى ، بل أنت ستختار اللعبة …
عند النوبة
و عندما يصر الطفل على فعله ، أي بعد كل التوصيات ، و ما إن يصل للسوق ، فيقع المحظور و يبدأ الابتزازي ، هنا ننتقل للحالة الأخرى و هي : وضع اليدين على كتفا الطفل ، و الوقوف بمستوى طوله ، و تقريب وجه الأم لوجهه ، و عيناها متوجهتان له ، و تقول بهدوء و بصوت رخيم : لا يمكن أن نشتري الآن ، ليس لدينا نقود ، و شراء هذه الحلوى سيؤذيك و لا يمكن أن تتناول ما جهزته لك بالبيت من طعام جيد ، و يجب عليها أن تكون مقتنعة بما تقول و لا يجب أن تشعر بالذنب ، و أيضا الصوت و النظرات لا بد أن يتسمان بالقوة و الحزم …
تنسيق
هنا نود الإشارة إلى ضرورة توحيد موقف الأب و الأم ، فلا يحق لأحدهما أن يقول نعم بعد أن قال الأول لا ، فالرفض أو القبول من حقهما ، لكن لا بد من التنسيق أمام الطفل ، لأنه في لحظة الخلل ، نفتح نافذة للطفل للاستمرار بعناده و بالتالي فشل كل الاجراءات لضبط حركاته ، و يجب على الأم مثلا و عند عدم الاستجابة لكل تلك المحاولات ، حضن الطفل لنقله من حالة لأخرى ، و متابعة الحديث نفسه بجمل قصيرة و كأن شيئا لم يكن ، كل ذلك في تعبير واضح تجاه ، أن صراخك غير مفيد و لن ينفعك بشيء …
عقوبة
و عندما يرفض الحضن ، و يستمر بالصراخ ، و ممكن أن ينبطح أرضا ، هنا يجب تركه حتى يفرغ كل ما بجعبته ، بعده نلوح بأن نقول له : سأحرمك من مشاهدة التلفاز ، و في المرات القادمة لن أصطحبك معي في أي مشوار ، و هنا نعود لنؤكد ضرورة عدم الخضوع لرغباته تحت أي مسمى كان ، لأنه و بهذه الطريقة نعطيه المبرر الأساسي و الحقيقي لفعله الأحمق ، و سيثبت في ذاكرته أن أهله استجابوا له عند هذا الحد من الفعل ، و لا تمنعه شخصيته الغضة من معاودة تجريب أهله في مواقف و أماكن أخرى …
ضرورة
عند الاستجابة لصد محاولاته في أي مرحلة ، على الأهل تنفيذ ما وعده ، لأن ذلك يعزز الثقة لديه ، و لأنه يدرك أنه ممكن الاعتماد على أهله و لا بد له من مبادلتهما بذلك ، و سيعرف أن الرفض لم يكن لأنهما يكرهونه بل على العكس ، بسبب حبهما له ، و هنا تتولد ضرورة الاعتماد عليهما ، أي بداية معالجة العناد و عدم الانصياع و التمرد المنفلت .
المحرر
كان السبب الأساسي لطرح موضوعنا ، مشاهدة مباشرة لحالات ذكرنا شكلها العام ، و ذاك الحرج و الخجل الذي يقع فيهما الأبوان و خاصة الأم ، ما يسبب فشل العملية التربوية ( كاملة ) ، فعندما تفسد خطوة ، يفسد كل ما بعدها ، و يبدأ الانهيار بالتراكم ، حتى يصل لحد اللاعودة ، حتى ما ذكرنا ينطبق على الأطفال ( الرضع ) ، حيث يسارع الأهل ( لتسكيت ) الطفل بأي طريقة ، و هنا الطامة الكبرى .
شريف اليازجي