أغلقَ ( البلعومُ ) بابه الكبيرَ، ثم رفعَ يَده طالباً من المسافر القادم أنْ يتوقف.
وخفّف المسافر من سرعته ، حتى وصل إلى باب البلعوم ، فتوقف تماماً .. قائلاً بدهشة :
-ماذا هناك !.. هل الطريقُ مقطوعة ؟؟
أجاب البلعوم : لا .. أبداً .
قال المسافر : إذن .. هل منْ خدمةٍ أؤدّيها لك ؟.
قال البلعوم بلهجة مهذبةٍ:
-إنني أراك كلّ يوم .. تدخل دائماً من بابي الكبير ، تحييّني بكلماتك المقتضبة ، ثم تتابع رحلتك التي لا أعرفُ نهايتها !.
قال المسافر ، وقد عادت أماراتُ الدهشة إلى وجهه :
-هذا صحيح ! . ولكن .. ماهو الشيءُ الذي تريدُ السؤال عنه .. بالتحديد ؟!
-لقد أحببتُ – أيها العزيز – أن نتعارف ..
فلقائي بك كلّ يوم، يحتمُ علينا أن نكون أصدقاء .
هزّ المسافرُ رأسه وقال :
-بكلّ سرور .. فأنا في خدمتك.
ومدّ يده إلى جيبه ، فتشَ داخله .. ثم أخرج بطاقة صغيرة وهو يتمتم :
-هاهي هويتي الشخصية .. تستطيع أن تعرف كلّ المعلومات، وأنا مستعد لشرح ماغمضَ منها .
أمسك البلعوم بالهويّة .. تمعن فيها طويلاً .. ثم شرع يقرأ بصوتٍ خافت ٍ:
-اسمكَ : اللعاب !. أليس كذلك ؟
وضع المسافر يده على صدره ، قائلاً بتواضع :
-صديقك المخلص : اللعاب ، بلى .. هذا هو اسمي كاملاً، أظنّ أنه ليس غريباً على مسامعكم ؟
-ومحلّ إقامتك .. جوف الفم؟
أومأ اللعابُ: إنني أعيشُ معظم وقتي داخله ..
وأنا- في الحقيقة- مرتاحُ في هذا المسكن .
-أما محلّ ولادتك فـ… عفواً ، انتظر قليلاً ، إنني أقرأ أسماء غريبة : النكفيّة ، تحت الفك ، تحت اللسان !!.
ضحك اللعابُ وقال : صحيح ، صحيح ..
فهذه غددٌ تفرزني داخل جوف الفم .
-ولكنْ : تقول الهوية أنّ لديك عدة تواريخ للولادة .. اشرحْ لي هذا ، أرجوك .
-حقاً.. إنني أظهرُ إلى الوجود في فتراتٍ مختلفةٍ ..إنني أولدُ حين يشمّ صاحبك رائحة الطعام ، وأولد حين يمضغه ، وأولد أيضاً حين يمسّ شيءٌ لسانه ،و…
-حسناً، حسناً .. ننتقل الآن إلى الحقل المختصّ بمهنتك ، إنني أراه غزيز المعلومات ، فهلا اختصرتها لي ..
–كما تريدُ يا عزيزي .. وظيفتي مفيدةٌ لصاحبك الإنسان . فأنا أختلط مع لقمة طعامه في الفم، وأحولها لقمة لينة سهلة المضغ والبلع، كما أنني أوثر عليها بخمائري، فأجعلها مواد بسيطة يمكن هضمها.. وأنا يا عزيزي – أيضاً – أرطب فم صاحبك ، فأساعده بذلك على الكلام، وبالمناسبة ، فقد طال الكلام ، دعني أتابع طريقي ، قبل أن تصاب أنت بالجفاف !.
فتح البلعوم بابه على مصراعيه ، وهو يردّد :
-لا بأس يا عزيزي ، لقد أعطيتني صورة حقيقية عنك، وأنا أشكر لك هذه المعلومات، وأشكر عملك الطيب الذي يفيد صاحبنا الإنسان .. هات يدك ، وصافحني ، فأنا أحبّ أن يكون أصدقائي من المفيدين العاملين.
د. موفق أبو طوق