لُطالما فضّلتُ المشروبات الدافئة على الباردة غيرَ أنني ودون أي سببٍ منطقيٍ أترُكها لتبردَ ثمَّ أحتسيها على مهل .. أحسُّ بأنَّ ما ولِدَ دافئًا يبقى دافئًا حتى وإن غيّرتِ الظروفُ حرارتَه .. فحرارتُه في حفاوتِه، وفي تسابقِ أمواجهِ نحو شفاهِك ..
إنّ أغلبَ العلاقاتِ كأكوابِ القهوةِ التي تصنعُها تحتَ ناظريك و أنتَ تراقبها بلهفةِ العشّاقِ حتى تغلي وتعطي كلّ مافي قلبها من حبٍّ ودفءٍ إليك .. تسكبها في أحلى الفناجين وتحتسيها بكلّ ذرّة من شغفك وكأنّ الكون بأكملهِ قد ذاب فيها ..
وفجأةً ! يطرقُ طارئٌ بابك و يشغلك عن فنجانك الجميل .. ساعةً بعدَ ساعة .. تنتظرك القهوةُ بكلِّ ما تملكُ من حرارة، وترسمُ من بخارها دمعا أخرس بالكادِ تلحظهُ على ضفاف فنجانك، وتناديك إلى أن يذوب على عبقها النداء ..
وحينَ تنتهي من مشاغلك و تعودُ إلى كوخك القديمِ تتفاجأ بما نسيتهُ و تركتَه وراءك.
تعودُ تتأمّلُ فنجانَك بإحدى العينين .. فعينُ انشغالك تراهُ باردًا، جامدًا وفاقدًا صلاحيّته فتسوّل لك بأن ترميهِ وتحضّرَ غيره ، بينما عينُ قلبك تراه دافئّا منتظرًا تمامًا كما تركته.. وتأمرُ يديكَ باحتضانهِ ليستقبلكَ بحفاوتهِ وحرارتهِ وكأنّه يحرقُ نفسه شوقًا لكي لا تتركَه ..
(لكَ الآن أن تعيدَ قراءة المقطع الأول)
ربا الحلاق