في تقلبات الزمن ومرور الأيام هناك ذكريات تطل علينا لا يمكن تجاهلها ولا يمكن للمرء لروعتها سوى أن يقف مشدوها أمامها معقود اللسان . بل وليس من أحد يستطيع أن يلغيها, كذكريات الطفولة وذكريات أحداث في ذاكرة الوطن إذ يتعذر علينا الاستغناء عنها أو نسيانها , ذلك أنها تشكل في بعض من فصولها تواريخ تحمل في طيات كلماتها من المعاني أكثر من عدد سطورها، فمن ذاكرة الوطن والأمة ذكريات يستحق أن يقام لها نصب تذكارية لأنها تمثل دلالات شرف وعزة وكرامة الوطن , ولأنها تعكس نبض الشعب ووطنيته وفدائه لأرضه، إنها الذاكرة الجهادية للوطن التي تمثل صدى نضال شعبه .
بدايةً هذه الذكريات الوطنية ومن شهر أيار بالذات هو عيد الفاتح من أيار وهوعيد العمال العالمي ولسورية وهو يمثل تاريخ نضال عمالنا تاريخ مشرف حيث كان فيه لعمالنا مشاركة فاعلة في النضال العالمي .
وفي السادس من أيار أيضا ذكرى الشهداء , وهم كواكب منيرة في سماء القومية العربية , على أن التاسع والعشرين من أيارأيضا عام 1945م تاريخ يذكِّر بالهجوم على البرلمان السوري وذبح حاميته واستشهادهم وما تلاه بعدها من قصف أحياء دمشق وبعضا من المدن السورية هي ذكرى مريرة قاسية ومحنة من المحن التي عاشها شعبنا ودفع ثمنها باهظا من دم شعبه , لكن الوفاء كان الجلاء المشرف المكلل بأغصان الغار والذي شارك فيه عمالنا في صنع الجلاء.
ولحماه مدينة الجهاد ذكريات أيضا مع أيار أيضاً , حيث النكبات والمحن
ففي الثالث عشر من أيار كانت بداية ثورة حماة حيث ذكرى المباراة التي كانت سببا هاما في إطلاق شرارة الثورة وانزال العلم الفرنسي من سارية مفوضية الأمن الفرنسي من قبل الثوار , وقد تلاها استعداد المحتل ليقوم بضربة تأديبية للمدينة , مما سبب تفجير العواطف الثورية المكبوتة ضد المحتل واستعداد الشعب بكل فئاته للجهاد، ولو تكلمنا بمناسبة عيد الجلاء قليلا لأنه تاريخ محفور في ذاكرة الحمويين فقد بدأت أرتال سيارات عسكرية للمحتل محملة بالجنود والسلاح والذخيرة والإمدادات تصل ثكناته في وقت كانت تقوم فيه طائراته بالتحليق فوق سماء المدينة , وأضربت المدينة ومدارسها وتعطلت أعمالها الصناعية والتجارية , وحصلت معارك جانبية أطلق المحتل فيها الرصاص والقنابل على الأحياء لكن أشدها كان يوم الأحد في السابع والعشرين من أيار وفي الثلاثين منه 1945م حيث حصلت فيه ذروة المعارك وهي معركة عين اللوزة عند النصب التذكاري ففيها تكبد المحتل خسائر فادحة من مصفحات وعربات عسكرية وطيران وجنود وقتل قائد الحملة وبعضا من أعوانه ولاذ الباقون بالفرار .
بعين اللوزة ياما صار
بين العسكر والثوار
والعساكر صبت نار
وهزمناهم ع المطار
« يشهد علينا باب البلد وعين اللوزة والمقبرة « كلمات نارية يحفظها ثوار وشجعان ثورة حماة .
شهر أيار شهر يتذكر السوريون أيامه بالساعة والدقيقة حيث تختزل فيها معاني الوحدة الوطنية يوم تدفقت جموع المتطوعين من سائر الأرجاء تمد يد العون وتساهم بالدفاع عن كرامة الوطن فمن سلمية في حماة مثلاً وفدت سبع سيارات من عرب النعيم وبني عز ببنادقهم ورشاشاتهم وأيضا من مصياف شارك وفد كبير من متطوعين برئاسة عمر الخش , ومتطوعين من عشائر البدو برئاسة متعب العريان , وقدم الأمير مصطفى التامر بسبع سيارات تحمل مجاهدين من أبناء العشائر, ومجاهدون وافدون من الشمال حلب والمعرة ومورك وخان شيخون وكرناز وكفر زيتا وصوران وطيبة الإمام ومحردة والسقيلبية و..و..وعلماء حماة من المفتي الشيخ سعيد النعسان إلى المطران أغناطيوس حريكة , ولجان تتشكل لجمع التبرعات وأموال تجبى من أغنياء المدينة لشراء السلاح .
ذكريات يذوب لها القلب وتذرف لها الدموع حبا وحنينا ولهفة لشعب اتحد بجميع فئاته وشرائحه وعقائده ومذاهبه ضد المحتل حتى نسائه فقد شكلن طوابير للإسعاف والتمريض وشبابه وصغاره في أفواج الكشافة كانوا عونا في الثورة أيضاً .
شهر أيار في ذاكرة الوطن فيها فصول من ثقافة مقاومة وصفحات من رواية تاريخ شعب حقق جلاء المستعمر عن أرضه بدم شهدائه فكان وطن العزة والفخار ..
محمد مخلص حمشو
المزيد...