في عام 1934 اجتمع وجهاء مدينة حماة عدة اجتماعات شارك فيها مفتي حماة الشيخ سعيد النعسان رحمه الله والمرحوم المطران اغناطيوس حريكة والمرحوم الدكتور توفيق الشيشكلي رئيس النادي الأدبي حيث أجمع الجميع على ضرورة ايجاد عيد للربيع في حماة أسوة بعيد النيروز في شمال سورية وأعياد الربيع في حمص وعيد الرابع في الساحل السوري وفعلاً ولد أول عيد للربيع في حماة عام 1935 و بدءاً من نفس العام اعتاد سكان حماة أن يقيموا احتفالات جماهيرية كبرى خلال فصل الربيع و قد أسموها في حماة (عيد الربيع )حيث تخرج المواكب من كل حي من أحياء حماة لتتجمع جميعها في ساحة العاصي مقابل فندق أبي الفداء و بعد تجمع المواكب في ساحة العاصي حيث تشكل موكبا واحدا يتقدمه ملك الربيع لتبدأ الاحتفالات بالعراضات و لعبة المبارزة بالسيف و الترس ثم ينطلق الموكب إلى خارج مدينة حماة قرب عمارة نجيب البرازي مكان مقصف الفالي و صالة البيلسان حاليا . كان يتقدم الموكب فرقة الكشافة ثم فرسان الأحياء على صهوات خيولهم وفي مقدمتهم ملك الربيع ومن خلفهم جماهير حماة التي كانت تستمتع بمنظر الطبيعة و رؤية المهرجانات المتنوعة ما بين سباق للخيول و إقامة الدبكات و مشاهدة الألعاب لأن المدينة كلها في مهرجان الطبيعة و البشر في مشهد متناغم حيث البسمة تعلو الوجوه و الفرحة تغمر القلوب . و بالطبع فإن جميع بائعو المأكولات و المشروبات كانوا متواجدين في هذا المكان .
توقف مهرجان الربيع عام 1939 بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية و بعد الاستقلال بذلت محاولات لإعادته لا سيما إبـان الوحــدة بيــن سوريـــة و مصر . إلا أن هذه المحاولات كانت خجولة إلى أن تم إحياء المهرجان بواقعــه الحالـــي ليكــون أول مهرجـان في عـام 1997 جامعـا بيـــن التراث و الحضارة والسياحة والفنون بجميع أشكالها وأنواعها .
و الآن سأتحدث عن ملك ربيع حماة . إنه المرحوم الحاج مصطفى حمشو الملقب الحاج مصطفى المصري من مواليد حي المشارقة بحماة عام 1889 و المتوفى عام 1952 و أنا شخصيا على معرفة به كونه من نفس سكان الحي الذي كنت أقطنه و أن لقب المصري جاءه من والدته المصرية الأصل حيث كان يُنادى في الحي بابن المصرية و من هنا جاء لقبه مصطفى المصري كان رحمه الله ذا أخلاق سامية و كان وسيماً وأنيقاً وخفيف الظل .
عند بداية الاحتفال بعيد الربيع كان المرحوم مصطفى المصري يتصدر الخيالة و يشب حصانه عالياً رافعاً قوائمه الأمامية ويلوح ملك الربيع برمحه وأحياناً يرفع سيفه ضمن تصفيق الجماهير . أما حصانه فمغطى بالكامل بسلاسل فضية مزينة بمئات من الدوائر و نماذج السيوف الفضية الصغيرة . كما أن لجام الحصان كان أيضا من الفضة ويسمى ( السلبند ) . أما لباس ملك الربيع فهو سروال ( شنتيان ) أسود فوقه صدرية سوداء و بدون أكمام و تحت الصدرية قميص أبيض بأكمام طويلة و كان يضع وشاحاً فوق القميص بشكل العلم السوري في حينها . مستبدلاً بالنجوم الحمر الثلاث عبارة مكتوبة باللون الأحمر ( ملك عيد الربيع ) وكان يضع على رأسه غترة (حطاطة ) بيضاء وفوقها عقال مقصب و قد زُيّن العقال و العلم بمصابيح كهربائية يتم إضاءتها بواسطة بطارية موجودة في جيب الشروال كي تشع أنوارها ليلاً .
عندما يصل الموكب إلى المكان المخصص له في خارج المدينة حيث نصبت الخيام و الشوادر فإن ملك الربيع كان يتوجه إلى الخيمة الرئيسية متصدرا المجلس و من حوله وجهاء المدينة و الأحياء حيث تدور فناجين القهوة المرة وجميع أنواع الضيافة من الحلويات على الموجودين .
كانت الاحتفالات بعيد الربيع تبدأ في الغالب في منتصف شهر نيسان وتستمر حتى نهاية الشهر حيث كانت البهجة تعم جميع سكان مدينة حماة
و إلى لقاء في ذاكرة حموية جديدة
المحامي معتز البرازي