نعلم أن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل ، هي المجال الزمني الذي يتم فيه تحديد المعالم الأساسية لشخصيته ، لذلك وجب علينا استنفار كل طاقاتنا وخاصة المعرفية منها، لتحديد الأولويات اللازمة لبناء تلك الشخصية المتزنة ، كما يجب علينا الابتعاد عن كل ما هو شاذ عن المتطلبات المكونة للمعارف الحقيقية الدافعة لمشاركة صحيحة في بناء مجتمع صحيح .
آثار التدليل
سوسن ، مرشدة اجتماعية ، قالت : لاحظت من خلال مراقبتي للأطفال المسؤولة عنهم أن أحدهم تظهر عليه الأناقة والنظافة ، ومع صغر سنه تجد حديثه يشدك لكن عند أقل المواقف حرجاً لاحظته يبكي و يشتكي ، ولا يحاول إنجاز مهماته بنفسه بل ينتظر الآخرين ليساعدوه في ذلك ، كما لاحظت أن لحظات فرحه أقل بكثير من اللحظات التي يكون فيها سعيداً أو على أقل تقدير عادياً ، وعندما حاولت الاقتراب من هذه الشخصية لمعرفة مشكلتها ومن ثم معالجتها ، خاصة أنه بلغ العاشرة من عمره، تأكدت أن السبب هو فارق المعاملة بين والديه ، فوالده بالعموم حنون ، لكن في لحظات معينة يكون قاسياً لدرجة تزيد بكثير عما يلزم للموقف الحادث، فتهرع الأم لزيادة جرعة الحنان تجاه ابنها، فتسمح له تحقيق رغبته التي منعها الأب، كما تأكدت من أن محاسبة الأب لا تكون تابعة لتصرفات الابن بل لمزاجيته، هذا يعني عدم نهي الطفل عن القيام ببعض التصرفات غير المقبولة. وهذه السلوكيات غير سوية ، كما أشرنا . وهذه السلوكيات لن تتوقف تلقائياً عند هذا السن.
أما التسلط
إبراهيم مدرس لمادة الفلسفة قال: الطفل في سنواته الأولى تنحصر وسائل دفاعه عن نفسه بالبكاء تعبيراً عن الرفض، وأمام حالات متقدمة تتعدد تلك الوسائل، وتخضع لمقدار الضغط وللشخص الذي يمارسه وهنا نشير إلى شخصية بعض الآباء أو الأمهات الذين تسقط عندهم كل الاعتبارات الواجبة في التربية، فيمنعون الطفل من ممارسة نشاطاته المحببة، ويقفون أمام رغباته التلقائية، ويتدخلون في حيثياته البسيطة كفرض لون معين في اللباس، أو اختيار الأصدقاء، ناسين وجوب أخذ قدرات الطفل وإمكاناته بعين الاعتبار، وبالطبع من الممكن أن ترافق هذه التصرفات قائمة ممنوعات كبيرة، وفي حالات كثيرة لا يتورع الأهل من هذه الفئة عن استعمال العنف والشدة اللذين يعملان شيئاً فشيئاً على مسح المعالم الحقيقية لشخصية الطفل.
وتكوين شخصية ضعيفة في حال استكانته لتلك الأوامر، أو شخصية عنيفة في حال المجابهة، وفي كلتا الحالتين، هي شخصية غير متزنة وغير قادرة على تحقيق مكتسبات أفضل في معمعة الحياة.
والإهمال
فادي 37 سنة أب لثلاثة أطفال قال: حياتنا سريعة، بما فيه الكفاية للانشغال عن أهم تفاصيلها، وبالنسبة للوالدين لا أظن بأن لديهم أهم من أطفالهم، لكن انشغالنا الدائم بتأمين حياة أفضل، أوقعنا في دائرة الإهمال، وهذا اعتراف لا يمكن دحضه، ويوجعني أن أعبر عنه . فابننا الأخير ظهرت عليه بوادر من العنف، تجلت بتكسير الأواني وعدم الاكتراث ، كما أنه تراجع في أدائه المدرسي والدراسي، وعندما عبر لي بصراحة، بأنه يشعر بأننا نكرهه، أحسست بصاعقة ضربت رأسي ودفعنا للاستعانة بمرشدة نفسية ردَّت كل تصرفاته لإهمالنا وأشارت لضرورة تشجيعه على السلوك المرغوب به وعدم تركه دون حساب عند قيامه بسلوك غير مقبول، وتخصيص وقت محدد لسماعه ومشاركته للأفكار التي تجول في تلافيف دماغه وبالفعل كانت النتائج مرضية.
المحرر
عرضنا بعض السلوكيات التي تؤثر مباشرة في خلل شخصية أبنائنا الذين نحبهم ونتمنى لهم الأفضل ، وهنالك غيرها، كالحماية الزائدة والتذبذب بالعلاقة فالطفل كالنبات في بداية حياته، يجب أن تكون عناصر الحياة متكاملة من حوله، حتى ينمو كما يجب، وبالتأكيد فإن الأهل لا يقصدون أياً من تلك التصرفات تجاه أطفالهم، لكن هي أخطاء تربوية لا نريد لأحد أن يقع فيها لذلك أشرنا إليها، متمنين للجميع تحقيق حياه أفضل وإنجازات يفخرون بها .
شريف اليازجي