في رواية (مابيننا) للأديبة هدى وسوف لا بدَّ لك من التفاعل والوقوف على أحداث ومجريات هي من صلب الواقع الذي نعيشه في هذه الحرب الهمجية على بلدنا الحبيب
فتختلط مشاعر الحب والحزن والحنين والخوف ،هي أشبه بعوالم متناقضة تجبرك على الانسياق في خضمّها
فتارةً تفرح من أعماق قلبك لمشهد حبٍّ فيكون فيه العشق طاغياً وتارةً تذرف دمعةً وتتنهد بغصّة وأنت مجبرٌ عليها من مشهدٍ مؤلمٍ وحزين ، تأخذك التفاصيل الصغيرة في الرواية وكأنك تعيشها وتعرف أبطالها .
في رواية ( مابيننا) المفعمة بالحب والتضحية والنبل والسمو لاشك هناك نوافذ للأمل والحياة بعد انكسارات متلاحقة وخذلان يدمي القلب والروح.
ما يشدّك في الرواية هو البطلة / نسرين/ هذه الفتاة الريفية العاشقة والتي تنضح بأنوثة وقّادة والتي استطاعت التغلب على أحزانها الكثيرة وانكساراتها الموجعة وكيف رمّمت جراحها النازفة بالصبر والأمل بعد رحلة حب كانت أشبه بالحرائق التي أتت على كل مشاعرها وعواطفها النبيلة،وكيف بادل الحبيب هذا الحب بالبعد والنكران والخيانة للحظات لا تمحى من الذاكرة،فنسرين ظلّت متمسكة بحبال حبّها لاخر لحظة ولكن في نهاية المطاف تسدل ستارة أحزانها بعد أن فقدت الأمل وسدّت بوجهها نوافذ الحياة، فلملمت جراح روحها ونزف أيامها ومضت تطوي اللحظات بقلبٍ عصره الحنين والندم ،ندم ربما على حبٍّ وهبته لشخص غير جدير به ولا يقدر قيمته.
هدى وسوف أديبة وروائية استطاعت بروايتها أن تحوم بأرواحنا في سماء صافية لاحدود لها من الحب والنبل والتضحية وأن تجعلنا نبكي بحرقة ونحزن ونندم ونتأوه بصمت في آخر المطاف،
فقد استطاعت / نسرين/ البطلة أن تروّض هذا الكم الهائل من الحزن الشفيف والفقد الأليم وتطوي صفحة المرار واللوعات وتبدأ رحلة جديدة في الحياة وتعيد ترتيب أيامها التي كلّلها السواد الدّامي.
من خلال قراءتي للرواية سأقف على ثلاث محطات أو لنقل مشاهد أبكتني بحرقة وجعلت دمعي يسيل على وجنتيّ ،ثلاثة مشاهد تجعلك تفكر وبعمق ،يالله على هذه الحياة ماأجملها وما أقساها! ما أحلاها وما أمرّها!وداع وفراق ،ألم وانكسار ،حب وتضحية ،خيانة وغدر ،هي صراع المتناقضات بأبهى صورها وبكافة أشكالها.
المشهد الأول :
عندما يعرف سومر والذي كان طفلاً رضيعاً وقد ربّته أخته نسرين بطلة الرواية، هي من قامت بتربيته وليست أمه الحقيقية ،فبعد نجاحه بالثانوية جاءت خالتها لتبارك له ،فأخبرته أن أمه كانت ستفرح بنجاحه لو كانت على قيد الحياة ،هنا يعلم سومر أن نسرين ليست أمه بل أخته فيرفض تصديق الفكرة ،مشاعر قاسية ومؤلمة في هذا المشهد ص:39
المشهد الثاني :
مرض الصديقة سيما ووقوف زوجها معها في أيامها الأخيرة في المستشفى وتبرعه لها بالدم واخفاء كيس الدم بين ثيابه وتحت أبطه ليبقى الدم دافئاً كما قال له الطبيب وكيف كان يحملها بين يديه من الطابق الرابع إلى الطابق الأرضي بسبب تعطل المصد الذي أصابته قذيفة من الإرهابيين ،فقد كان الزوج يحمل زوجته كما يحمل الأب ابنته الصغيرة وكانت تتشبث به كالطفلة وتلقي برأسها على كتفه ،فكمية الحنان من الزوج جعلت الزوجة سيما تغادر الحياة بسلام مطمئنة أن هذا الكائن النبيل الذي دعمها ووقف إلى جانبها وأغدق عليها الحب لن يبخل على أولادها بعد غيابها .ص124/125
المشهد الثالث:
سومر الطفل الذي كبر وصار طبيباً ناجحاً فقد سافر لمصر وتزوج بزميلته الطبيبة في نفس المستشفى ،يرسل رسالة رد لأخته نسرين التي ربته وكان السبب الرئيسي في وصوله لهذا النجاح ،فرسالته كانت رداً على رسالة نسرين التي اعتذرت فيها لسومر عن عدم قدرتها على البوح بحبها وعشقها وطلبت من سومر أن يسامحها لتلك العلاقة فنسرين تودع سومر الوداع الاخير ،فجاء رد سومر كالتالي ( ماما حبيبتي ،أنت لم تخطئي بشيء حتى تطلبي السماح من أحد… أنا وسلاف مدينان لك باعتذار لأن سلوكنا كان خاطئاً ذات وقت ،لكن نحن أيضاً كنا صغاراً ولم. نملك الوعي ،كنا أنانيّن ونريدلك لنا فقط.
ماما أنا أحبك ليس لأنك قمت بتربيتي ،كما لوأنك أمي الحقيقة ،أنا أحبك لأنك إنسانة جديرة بالحب ،معطاءة وقوية وحنونة وشجاعة ،أنت عظيمة كتير ماما ،وروحك كبيرة وأنا بحبك كتير وفخور بك وكل شيء حلو عندي اكتسبته منك ،لذلك لاتفكري أبداً ولو للحظة أنني زعلان من أي شيء وأنا فخور بك وبحياتك بكل تفاصيلها وتجاربها .) ص: 155
وأترك للقارئ الغوص في كنه جماليات الرواية وسبر أحداثها ومجرياتها ،ففيها متسع كبير من الجمال ،فهي تلهب الروح كما القلب بلهيب صراعاتها ومتناقضاتها
رواية جديرة بالقراءة كما كل رواياتها وقصصها
هدى وسوف… مبارك نتاجك الجديد وننتظر منك جرعة أخرى من الحزن فأرواحنا اعتادت على الانكسار والفراق والرحيل .
حيان محمد الحسن