على ضفاف العاصي : ويفرض الواقع نفسه على الأجناس الأدبية

يعلن الكثيرون من هذا المنبر أو ذاك :
الرواية ديوان العرب .. لقد ولى زمن الشعر
بينما لا يزال الشعر يطغى على كل المنابر ، مع اختلاف سوياته التي تميل في الغالب نحو التردي . بينما تحظى الرواية بمكانة أفضل وينال كتابها جوائز ثمينة في هذه المسابقة أو تلك في أصقاع مختلفة من العالم .
كما أن ملتقيات هامة يعلن عنها من أجل الرواية في بلاد شتى ، حتى في بلادنا العربية التي يعاني قسم كبير منها من إرهاب صدّرته لنا الصهيونية برعاية وتدبير أمريكي .
لكن الشعر موجود وإن لم يلق ذات الاهتمام ، بسبب تردي الحال كما أسلفنا ، حال فرضتها الأزمات ومواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت الفرصة للجميع امتلك الأداة أو لم يمتلك .
الشعر موجود عند بعضهم ، ومعظمهم ترك الساحة وانزوى جانباً ، مؤمنين بالنظرية الإقتصادية التي تقول ( العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول ) .
وعندما يتسرب إلينا نص ما من نصوصهم ، تنتشي ، وتحس أنه الشعر الذي لم تعد تراه أو تسمعه في هذا المنبر أو ذاك .
أما القصة القصيرة فهي الجنس الأدبي الأكثر ظلماً في عالم الأدب اليوم ، فقد تراجع حالها أمام الضخ الكبير للشعر ( بحاله المتردية ومطبوعاته الكثيرة ) والرواية التي حقت لها الريادة بسبب السوية الجيدة للكثير مما يطبع ويزج في سوق الأدب في هذه البقعة أو تلك من العالم .
فالمنابر تفتح أبوابها للشعر لأنه الأنسب للإلقاء ، بينما لا تفتح تلك الأبواب للقصة ، لأنها تحتاج إلى قراءة متروية ، هذا إذا استثنينا القصة القصيرة جداً ( ق ق ج ) التي سرقت بعض الضوء بسبب طبيعتها التي تقترب فيها من قصيدة النثر والتي لم ينته الاجتهاد في طبيعتها بعد . وتبتعد الرواية لأنها لا تصلح للمنابر ، ويحل محلها قراءات في هذه الرواية أو تلك وحفلات التوقيع التي زخرفها معدوها حتى صار معظمها طقساً لا يناسب الأدب كثيراً .
حتى أن الدراما صار لها كتابها الذين وجدوا أنفسهم غير مضطرين للاستناد إلى عمل روائي أو قصصي ، كما كان يحدث ذلك في أفلام سينمائية شهدناها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي استندت إلى أعمال روائية لأدباء كبار أمثال إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وحنا مينة وغيرهم .
وعندما استندت أعمال درامية مثل ( مرايا – بقعة ضوء .. وغيرها ) إلى قصص قصيرة أشار لها معدوها استبشرنا نحن كتاب القصة ( وأنا منهم ) أن البريق سيعود للقصة القصيرة ، لكن الأمر لم يتسع ، وظل في نطاقه الضيق .
وإذا أحصينا ولو بشكل نظري إلى ما يزج في سوق الكتاب من أعمال مطبوعة ، نجد أن مجموعات القصص القصيرة هي الأقل حظاً ، بينما يتفوق الشعر والرواية عليها .
ويعتبر نقاد ودارسون أن ريادة القصة القصيرة في سورية كانت على يد ( علي خلقي ومحمد النجار ) .
وبرز كتاب كبار لها عبر تلك الفترة الزمنية الممتدة حتى مطلع القرن الحادي والعشرين .
ولسنا هنا بصدد الحديث عن تاريخية القصة ، إنما أوردنا ذلك من باب التأكيد على عراقة القصة .
إن بروز هذا الجنس الأدبي أو ذاك في هذه المرحلة ، مرتبط بالظروف المحيطة ، وعندما كان ( الشعر ديوان العرب ) ، ارتبط ذلك بمرحلة مهمة من تاريخهم ، ولذلك ليس غريباً أن تتقدم الرواية الآن خاصة في ظروف الأحداث الجسام ، وقد يأتي وقت يعود فيه الشعر إلى مكانته ، أو تحتل القصة القصيرة مرتبة متقدمة بين هذه الأجناس الأدبية .

محمد عزوز

المزيد...
آخر الأخبار