يحتاج الطفل تفسير وترتيب وتهذيب كل ما حوله ويحتاج أيضاً تبسيط ما يرى وما يسمع, ذلك أن هذا الطفل هو صاحب الموقف والكلمة والأسرة في المستقبل , فإن كانت نشأته صحيحة كانت أسرته قويمة , فكان المجتمع سليماً خال من العلل و الأمراض ، فالاهتمام بالطفل وبمراحل نموه, إقرار منا بأنه عبارة عن صفحة بيضاء يمكن الكتابة عليها بسهولة وتنظيم عباراتها ورسومها, لنشكل خارطة حياته المستقبلية التي يخضع لها.
بم يتأثر الطفل ؟
يفرض المجتمع المحيط خطوطه العريضة على تلك الشخصية الهشة , فالطفل يردد ما يسمع ويتصرف كما يرى دون أدنى تفكير ، خاصة في سنواته الأولى , ويأتي قدر هذا التأثر بقدر تعلقه بمن يتأثر, أي إن الطفل سيقلد من يحبه, و تعد الرسوم المتحركة هي النافذة الأولى خارج مؤسسة الوالدين , وهي الجاذب الأكبر لنظره وآذانه ومخيلته , منها يتعلم ما فات الأبوين تلقينه ، وفيها يرى أبطاله المحببين الذين يشكلون مثلاً أعلى له , فيحاول ويحب تقليدهم , لكن لوحظ فيما بعد بأن تأثير هذه الرسوم يكون سلبياً أكثر من إيجابياتها , خاصة وأنها تعرض في بعض المحطات على مدار/24/ ساعة ما يسمح للطفل بمتابعتها في أي وقت.
ملاحظات الأسر
سألنا أكثر من أسرة عن طبيعة هذه البرامج ومقدار تعلق أطفالهم بها وكيفية مشاهدتها ، فكانوا متفقين بالعموم على أن الرسوم المتحركة الحالية تحمل مقداراً من العنف لا يستهان به وأضافوا : بأن التعامل مع الأطفال هذه الأيام صعب جداً , ولا يمكن السيطرة عليه بسهولة ، فهم يصمتون أمام الرسوم المتحركة فحسب , لذلك عندما تحتاج الأم وقتاً لإنجاز أعمال البيت , لا ترى ملاذاً من السماح لهم بالتسمر أمام الشاشة , و أكدوا بأن زمن المشاهدة الطويل أثر على التحصيل الدراسي عند الأطفال , كما يلاحظون وبشكل ملموس بأن أفعال الأطفال تتطبع بأفعال أبطال الرسوم المتحركة .
إيضاح
نسرين برازي : موظفة وتشارك بأكثر من فعالية اجتماعية لإعداد برامج خاصة بالطفولة ، قالت : بمقارنة بسيطة بين برامج الأطفال الحالية والقديمة نلاحظ فرقاً شاسعاً بينهما , حيث كانت الصورة في البرامج القديمة , تعتمد على هدوء المنظر واللون والمساحات الواسعة , التي تخلق الارتياح للطفل , و أبطالها دائماً يقدمون مساعدات مهمة في المواقف الحرجة , من خلال بعض الحيوانات الأليفة التي أحبها الأطفال والتي تحتل جزءا من دور البطولة , كانت تلك الأفكار تفرض إعداداً جيداً لتلك البرامج , فلا يمكن مثلاً عرض مسلسل «هايدي» مع جدها في الجبال الخضراء والسهول الفسيحة مترافقة بموسيقا صاخبة تملأ المنزل ضجيجاً وتخلق توتراً وانزعاجا لمن يسمعها, كالموسيقا في البرامج الحالية التي أراها ذات تأثير سلبي ومؤذ للطفل ، فإن اعتاد على سوئها الحالي ، رفضت آذانه سماع الأفضل دون محاكمة عقلية ، وعندما كانت بعض المواقف تحتاج إلى شقاوة من قبل الطفل البطل في البرامج كانت تقدم هذه الشقاوة بأسلوب محبب وشيق ، تعتمد على حلول ومخارج من المواقف الحرجة بذكاء ظريف مثل مسلسل «توم سوير» ، فالرسوم المتحركة تعتمد على مخيلة الطفل وهذه نقطة حساسة وخطرة ، حيث ما تغذي به هذه المخيلة في الوقت الحالي يترجم أفعالاً في المستقبل القريب.
شادي الساروت ، مدير مالي في إحدى المؤسسات ، قال: عملية إنتاج برامج الأطفال مكلفة جداً , فإنتاج دقيقة واحدة منها يقابل إنتاج عشرات الحلقات من أي مسلسل درامي , وكلنا يعي مقدار تأثير العامل الاقتصادي على كل جوانب حياتنا , لذلك تسعى بعض الشركات لتخفيض الإنفاق في إنتاج هذه البرامج وهذا ما يؤثر على نوعيتها , أو يتم شراء حقوق البث لبرامج مستويات متدينة , إن مخاطبة عقل الطفل عملية صعبة وتحتاج لإمكانات خاصة ولوسائل إيضاح مدروسة , منها الرسوم المتحركة التي من خلالها نستطيع إيصال ما نريد بفترة وجيزة , وبنتائج جيدة وذلك لتعلق الأطفال بها. ولا شك بأن وجود بعض البرامج الجيدة حقيقة واقعة لكن للأسف بنسب ضعيفة جداً , ولقد شاهدت بعض البرامج التي تدفع الطفل لتعلم اللغة العربية بشكل ممتاز , ويمكن للأهل تجنب بعض السلبيات باستعمال الأقراص المدمجة وذلك باختيار البرامج الجيدة والهادئة وتحديد مدة المشاهدة .
رأي مختص
سهيلة زيدان ، مدرسة قديمة ، و لها اهتمام واسع بعالم الطفولة ، كان لنا حوار معها حول الرسوم المتحركة والإجراءات المناسبة لضمان فائدة أكيدة ومدروسة منها, فقالت: يجب على الوالدين تحديد المدة الزمنية المخصصة لمشاهدة التلفاز , ويجب عليهما مشاركة الطفل بما يشاهده , ومناقشته بالمواضيع والمواقف المطروحة , وأفضل أن يشاهد الطفل كل الأفكار المطروحة في عالمنا وتحديد ما يتناسب مع قيمنا الأخلاقية والدينية والثقافية ، بالإضافة إلى أهمية توفير وسائل متعة مرافقة للتلفاز, كالكتب الشيقة والألعاب الفكرية المسلية , لينشغل بتسالٍ أخرى ولا يكون التلفاز محوراً أساسياً له , كما يجب منع المشاهدة أثناء أداء الواجبات المدرسية , والأهم من ذلك إفهام الأطفال بأن هذه البرامج ليست حقاً لهم ، وإنما مسموح لهم فيها وتتم ضمن قانون.
فسألناها : ما أهمية مشاركة الوالدين بمشاهدة هذه البرامج ؟ قالت : أهمية ذلك يحصر بخلق حوار بناء , من خلاله يتم سبر شخصية وهوية الابن فيتم تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الطفل بطرح أسئلة مباشرة عليه , كرأيه بما قام به الطفل تجاه أصدقائه , وهل هو مع أو ضد , وتحميله المسؤولية بسؤاله : إذا كنت في مكان البطل ماذا كنت ستفعل ؟ وهنا تكمن المهارة والخبرة بتحويل تلك الفترة الزمنية المحددة والمراقبة إلى أفكار يستند إليها الطفل بقراراته وكينونته .
سألنا ، كيف يتم التأكد من تحقيق النتيجة المرادة ؟ فقالت : العملية ليست سهلة , وقد لا ينجح الآباء من أول محاولة ولكن عليهم الاستمرار وسيرون أن مقدراتهم على الحوار مع أطفالهم قد تحسنت و بشكل ملحوظ , ويفضل أن يقوم الآباء في نهاية كل شهر بعملية تقييم البرامج التي تمت مشاهدتها وتعزيز تواجد البرامج المفيدة التي تنسجم مع قيم الأسرة .
المحرر
ولدت فكرة مادتنا هذه ، بعدما كنا في جلسة تضم الطبيب و المهندس و التاجر و العامل و الصحفي ، و بدأ الحوار باتجاه تحركات الأطفال و أفكارهم ، بعدما أشار أحدنا أنه شاهد مجموعتين من الأطفال بينهما مسافة جيدة ، و كل مجموعة منفردة و تنظر شذرا للأخرى ، فاقترب من إحدى المجموعتين و سألهم : ماذا تعملون ؟ فأجاب أحد الأطفال : نحميكم من الحارة الثانية ! فذهل صاحبنا و حفظ الحادثة و حللها و من ثم رواها لنا ، ليؤكد تأثر العقول الغضة بالأفكار القاسية الحالية ، و هنا تكمن الخطورة . فنحن محاطون بمفردات تصلح لحياتنا وعاداتنا , وأخرى لا تصلح, ولا شك بأن تحصين شخصيتنا أمراً يحتاج لعمل ولبعد نظر مطلوب ,و على رأي المثل القائل : العلم في الصغر كالنقش على الحجر, الذي لا يتم إلا من خلال بذل مجهود مميز كماً ونوعاً , الأطفال فلذات أكبادنا وثمرة تشكيل الأسرة الصالحة , وبراعم هذا البلد , التي إن كانت بخير كان البلد بخير .
شريف اليازجي