الطاهر الحداد الذي سبق زمنه بقرنين و كتابه (امرأتنا في الشريعة والمجتمع)

الطّاهر الحدّاد أحد أهم رواد عصر النهضة, ولد في تونس العاصمة عام 1899م, ودرس في كتاتيبها, ثم التحق بجامعة الزيتونة ما بين عامي 1911 – 1920م ليتخرَّج فيها حاملاً شهادة التطويع, ثم عمل بعد ذلك ماسك دفاتر في أحد دكاكين سوق العطارين, ثم كاتباً بالجمعية الخيرية. وفي العام 1921م التحق بمدرسة الحقوق العليا التونسية, وكان مهتماً بالنشاط السياسي والنقابي في إطار الحزب الحر الدستوري القديم. كما نشر العديد من المقالات الجريئة في الصحف التونسية كجريدة (الأمة) و (مرشد الأمة) و (إفريقيا).
ومن أفكاره, نقتطف:
المطالبة بالطلاق المدني, وأن لا يكون من حق الرجل فقط, الذي قد يُسيء استخدامه, ولكن يُرجع فيه إلى القضاء.
رفض تعدد الزوجات.
دعا إلى قيام المرأة بممارسة الألعاب الرياضية, وأن تُقبل على هذه الألعاب, وأن تسعى لمجاراة أختها الأوربية فيما تقوم به.
من أشهر كتبه:
كتاب /العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية/ عام 1927م الذي أرَّخ فيه للحركة النقابية, وقد صادرته سلطات الاستعمار الفرنسي, ومنعت تداوله.
العديد من الكتيبات, عن إصلاح العائلة والمنزل, وتحرير المرأة.
كتاب /التعليم الإسلامي وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة/
العديد من الكتب التي تتحدث عن أشعاره وخواطره, لكنها لم ترَ, النور إلا بعد وفاته, أي في زمن الاستقلال.
ويبقى كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع, المنشور عام 1930م, هو الأهم في كتبه, ففي هذا الكتاب المهم, قدّم الطاهر رؤيته في تطوير الفكر النهضوي في تونس, ووعيه بقضية المرأة وضرورة تحررها, لإصلاح كامل المجتمع, والنهوض به, من تخلفه, كما طرح تصوراً شاملاً للنهوض بالأمة, مُعتبراً تحرير المرأة, من أهم شروط هذه النهضة, ليس لكونها تشكل نصف عدد السكان فحسب, بل – أيضاً – لأن تحررها, هو تحرير للرجل, من براثن التخلف الاجتماعي.
وقد برع الحداد بتقسيم كتابه إلى قسمين: التشريعي والاجتماعي, كما يُشير إليهما عنوان الكتاب, وذلك نتيجة لإدراكه أن إصلاح حال المرأة وإعلاء مكانتها, يتطلب الاشتغال في هذين الحقلين معاً, ولا يمكن الاكتفاء بالتركيز على أحدهما دون الآخر.
كما أنه يرى من خلال هذا الكتاب, أن السبيل إلى تحرير المرأة, هو في تحديث الشريعة الإسلامية, وإعادة تفسير الآيات القرآنية وفق منظور تاريخي, لأنه يرى أن القهر المُسلَّط على المرأة, ليس ناتجاً عن الدين, بل هو من فعل التاريخ, أي بقولٍ آخر: إنه ليس من فعل الإسلام, بل من فعل المسلمين.
كما طالب الحداد, في هذا الكتاب بإصلاح البنية التحتية وتهيئتها لاستقبال المرأة, كافتتاح المدارس والمعاهد لتعليم البنات, بما في ذلك التعليم المهني الذي يُمكِّنها من العمل, وإتاحة مجالات العمل لها لتكون فاعلة في أسرتها, مُعتبراً أن (نهضة المرأة هي نهضتنا جميعاً)
وأخيراً, طالب بتغيير المنظومة الثقافية والقيمية والعادات والقوانين, بما يكفل رفع يد الاضطهاد الذكوري عن المرأة … إلخ.
وكان الحداد قد ابتدأ كتابه بعبارة (المرأة, هي أم الإنسان تحمله في بطنها وبين أحضانها, وهو لا يعي غير طابعها الذي يبرز في حياته من بعد …). والكتاب بحدود 200 ص من القطع الكبير.
وقد تعرض الحداد بعد صدور هذا الكتاب إلى العديد من المتاعب, فقد كفَّرته الجهات الرجعية والأصولية, إذ قامت بـ:
طرد الطاهر الحداد بأمر ملكي من قاعة امتحانات مدرسة الحقوق, التي عاد إليها بعد انقطاع.
التشنيع به, وتحقيره من قِبل علماء جامعة الزيتونة, التي سحبت منه الشهادة العلمية, التي كان قد تحصَّل عليها عن جدارة.
قامت جامعة الزيتونة بنشر كتاب بعنوان (الحِداد على امرأة الحداد) لمحمد صالح بن مراد, كردٍ عليه.
نشر الشيخ عمر البّري المدني كتاباً آخر في مواجهة الحداد بعنوان (سيف الحق على من لا يرى الحق).
ويقال بأن وجهاء الزيتونة طالبوا بإخراجه من الملَّة.
كما مُنِع من حق الزواج.
ورغم كل ذلك, لم يتراجع الحداد, بل استمر في الكتابة.
مات الحداد في ريعان شبابه يوم 7 / 9 / 1935م, لكن الشعب التونسي ونخبته وسلطته كانوا أوفياء لهذا الطليعي, الذي ضحى من أجلهم, ومن أجل نهضتهم, فقاموا بتكريمه على أكثر من صعيد, كان أهمها: تضمين مجلة الأحوال الشخصية, التي صدرت عام 1956م في زمن حكم الحبيب بورقيبة, الكثير من أفكاره واقتراحاته.
وقد قال عنه محمد الشرفي وزير الثقافة التونسي الأسبق: ((إن الطاهر الحداد, قد رُدَّ إليه اعتباره مع استقلال البلاد, وأصبح حجةً, كثيراً ما يُستشهد بها في الخطاب الرسمي, وقد أُنشأ نادياً للثقافة يحمل اسمه, ثم إن كتبه باتت تُدرَّس في المدارس … ولا نزاع في أن تلك المجلة تأسست عملياً على نظرية الطاهر الحداد)). هذه المجلة, التي حوَّلت, العديد من أفكار وأقوال الحداد إلى قوانين تعطي المرأة حقوقها وتلزم بها الأفراد والجماعات, ومنها:
حرية الفتاة بالزواج, وعدم إكراهها في ذلك.
حددت السن الدنيا للزواج (17 سنة للفتاة و 20 سنة للفتى).
منعت الزواج العرفي, وحصرته ضمن صيغ رسمية.
المطالبة بمنع تعدد الزوجات.
ساوت بين الزوجين في كل ما يتعلق بالطلاق وأسبابه وإجراءاته وآثاره.
لذا, وأمام كل هذا, قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين: (لقد سبق هذا الفتى زمنه بقرنين).

نزار مصطفى كحله 

 

المزيد...
آخر الأخبار