حين تعبرين المسافات وتحملين الأيام زوادة , أكون أتذكرك جيداً, أنت بصوتك الناعم تقولين: أنت معي أيها القادم من بعيد, أتضاحك في مرآة وجودك, أكو ن لديك القصيدة وأهزوجة المتعبين العائدين من حقول التعب! وأطفالهم الحفاة.. يتسابقون لملاقاتهم، عيونهم نصف مغمضة, يتصايحون كرف سنونو وقت مداهمة الأعشاش قبيل غروب الشمس, أنت الكروم المعبأة بالعناقيد, ومساكب القطن, وأوراد الجو ري المعربشة بدلع على أغصان الزيتون.
بالأمس كنت مع أطفالي الصغار, حين توجهنا صوب البحر, كلهم عيون متوقدة, أغنية العطاء والتواصل, تصافح السماء بالأريج, والفراشات تلون السرور, وزقزقة العصافير, أنها سمفونية الإشراق الرباني, وهدية الخلاق لنبي البشر!…
عانقيني أيتها الشحرورة كحبات الخرز التي تطوق بها جيد امرأة فاجأها الخبر بأن طفلها الوحيد قد ضاع بين الزحام, فصرخت ونتفت الشعر ولطمت الخد وقطعت بعصبية فائرة طوق الخرز الأزرق!.. أنه هدية الفارس الذي غاب ولم يعد من غربته بعد عانقيني لحظة الانفعال , لأن أروع شيء في هذا العالم أن يحتضن القلب وتلتقي الدموع بالدموع, وقتها ترتبك الفصول وتزهر.. براعم الفرح الأخضر, وتضحك الجداول, وتعيد السنون سيرتها الأولى, إنه نيسان الآتي على مهرة أصيلة, كعاشق يتلهف إلى معشوقته, جالباً لها : أثواب الحرير وشالاً وباقة من الأشعار، وحفنة من القبل وزناراً من شقائق النعمان, ومهرجاناً طبيعياً, ولهفة مابعدها لهفة!.
خضر عكاري