الشعوذة حكاية «الغريق و القشة»

استغلال حاجة الناس بالشعوذة
بات العالم قرية صغيرة , عبارة تتردّد على مسامعنا في أوساط مختلفة , ومناسبات متنوعة , نردّدها أحياناً مع عدم فهم فحواها كما يجب , وعدم إدراك خطورتها والإحساس بحيثياتها , فشبكة الانترنت والفضائيات جعلت كل شيء يطفو على السطح , ليكون لنا الدور الأكبر في اختيار ما نريد وما يتوافق مع شخصياتنا وثقافتنا.
من مجالات الغش‏
ضمن هذا الزحام , والوتيرة المتسارعة , التي ألغت كثيراً من الحدود , يظهر على شاشة التلفاز شخص يحاول التمركز بوقار مُصطنع , وتكثر من حوله وسائل تخدمه في أفكاره , يدّعي بقدرته على شفاء مرضى السرطان , أو معالجة العجز الجنسي , وإيقاد القلوب بالحب , وحل المربوط , وربط المحلول , وتزويج العانس , حيث تكون حلول تلك المشكلات وغيرها ,بقراءة طلاسم غير مفهومة , وتناول أعشاب مخلوطة طبعاً بوجود العسل ولا ننسى زيت الزيتون , واللوز والجوز …‏
هذا نوع من الدجل الرخيص , والغش المسموم , يجب محاربته , والوقوف على مخاطره على الفرد والمجتمع .‏
مفارقات واقعية‏
جنى . م (ربة منزل) , حدثتنا عن تجربتها في انسياقها للمشعوذين , قائلة :‏ لم أفكر يوماً من الأيام , بالانسياق وراء تلك الشعوذات والشائعات , ولكن منذ أكثر من سنة , كنت والعائلة في حالة قلقة ودوّامة رهيبة , حيث إن أختي الشابة أصيبت بمرض عضال وخلال سنوات أربع , لم نترك وسيلة لعلاجها , لكن بعد ازدياد الأمر سوءاً , أصبحت الأدوية لا تعطي النتائج المرجوة , فضاقت من حولنا الوسائل , ونفدت السبل في تلك الحالة شاهدنا إحدى الفضائيات تقدم حلولاً ناجعة لأمراض مماثلة , مدعومة بشهادات لأشخاص تعافوا من أمراضهم , ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي , ولأن الغريق يتعلّق بقشةٍ , بادرنا الاتصال بتلك المحطات , ليتم أخذ بعض البيانات من عدة أشخاص على الطرف الآخر من الهاتف , وباتوا يمدوننا بالعلاج , كما زعموا على مراحل , حيث أكدوا لنا أن علاج هذه الحالة ممكن جداً , وبدأت تصلنا القوارير , والزيوت , وبعض الصبغات الملونة , ليصبح همّنا الأول هو متى ستصل الدفعة الثانية من العلاج , وبات اتصالنا بهم استجداء أمام تدهور صحة شقيقتي وقبل انقضاء فترة العلاج المحددة , وقبل نفاد ربع كمية الدواء , توفيت أختي ولم نستفد شيئاً من ذاك الدواء الموصوف , حيث أدركنا فيما بعد بأن العملية كانت استثماراً بالنسبة لتلك المحطات لا أكثر . والنتيجة كانت خسارة فادحة ومؤكّدة .‏
فاتورة هاتف‏
كادت فاتورة الهاتف , أن تقضي على أسرة بكاملها , بعدما تفاجأ الزوج بمبلغ /96/ ألف ليرة سورية مترتباً على هاتف منزله , وعند سؤاله عن السبب , تفاجأ أيضاً بأن زوجته كانت تتصل بأحد الدجّالين على إحدى الفضائيات, يدّعي فكّ السحر, وفعل ما لا يستطيع البشر فعله, حيث كانت الزوجة تنتظر على الخط طويلاً, ليتم توصيلها بالشخص المطلوب, وهو بدوره يلقّنها التعليمات المطلوبة .‏ وأما سبب اتصالها , فكان خوفها على بناتها من «العنوسة» مع شكّها بأن إحدى قريباتها قد دبّرت لهن مكيدة , عن طريق دجّال آخر , معروف بقدرته في هذا المجال .‏
آراء طبية
الطبيب د. سامر موسى اختصاصي بالأمراض الداخلية و الصدرية , وبعد سؤاله عن هذه الظاهرة , وطبيعة المرض والشفاء , قال :‏
إن الأمور التي لا يمكن تصديقها في هذا الزمن كثيرة فكيف لمريض أن يشفى من خلال الشعوذة المذكورة فبعض الأمراض تحتاج لسنوات حتى تشفى , فكيف لمريض أياً كان , أن يشفى بجلسة واحدة أو أكثر عبر الفضائيات , دون إجراء أية تحاليل أو استقصاءات , ليتم تحديد الدواء المناسب , فالعلاج لا يكون إلا من خلال التواصل المباشر بين الطبيب والمريض , ولابد للعلاج أن يكون مدروساً ويقوم به اختصاصي .‏أما الطبيب عروة سيفو اختصاصي بالأمراض العصبية, تحدث عن وجهة نظر علم النفس بموضوع الاستشفاء بالشعوذة , قائلاً :‏
يلجأ بعض الناس عندما يستعصي عليهم حل مشكلة ما إلى أناس يرون فيهم السبيل للتخلص مما يعانون , أو لتخفيف القلق الموجود , وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المرضى المصابين بأمراض معنّدة على العلاج , أو لديهم أعراض مرض يحتاج شفاؤه إلى وقت طويل في هذه الحالات يلجأ المرضى إلى مشعوذين أو عرّافين , للتخفيف من آلامهم , أو للتمسك بأمل موجود في ذهنيتهم للشفاء , وهنا يكمن الخطأ الكبير فبدلاً من البحث عن حل علمي , نجدهم ينقادون نحو سراب كاذب وللأسف فقد ساعدت بعض الفضائيات بنشر هذه الخرافات وروّجت لها , إذ إن البعض منها تستعمل طرقاً عدة لإيهام المشاهدين لكن العلم بشكل عام , وعلم النفس بشكل خاص , يتعارض كلياً مع هذه الأفكار والمعتقدات اللامنطقية , ويرى د. الحركة أن سبب انتشار هذه الخرافات وتلك الفضائيات التي تروّج لها , هي رغبة أصحاب الحاجة في تجربة أي وسيلة للحصول على مبتغاهم , بالإضافة إلى عدم رغبة الكثيرين في استخدام العقل لإيجاد حل علمي ومنطقي لمشكلاتهم .‏
المحرر
نستنتج مما تقدم أن الأمور تقاس بنتائجها , ولا شك بأن نتائج الشعوذة لاتمت للواقع بصلة , والسؤال الذي يطرح نفسه ما الهدف من وراء تلك البرامج المنفّرة؟‏
وعلى ما يبدو أن الأهداف كثيرة وربما كانت تتمحور حول تحقيق الربح السريع وعلى أية حال فإن هذه الفضائيات ماهي إلا وسائل إلهاء عن مضمون الحياة بصورة عامة , وعزل ملكة العقل عن عملها الأساسي , فكيف يقارن العلم بالدجل .‏
شريف اليازجي

المزيد...
آخر الأخبار