في ظل ضغوطات الحياة الكثيرة والكبيرة قد يعاني الإنسان من مشاكل نفسية واجتماعية نتيجة هذه الضغوطات، وتدفعه تلك لخسارة مجتمعه المحيط أحيانا ، لأن الضغط قد يكون أكبر من طاقة تحمله فلا يستطيع هذا الشخص أن يستوعب الآخرين ، والذين يتعرضون للضغوطات الاجتماعية والاقتصادية ذاتها ،فينتج عن ذلك فجوات في العلاقات القائمة أو ربما في العائلة نفسها ، فردة الفعل قد تؤدي إلى عواقب وخيمة إن لم تكن مدروسة وإن الأشخاص الانفعاليين هم الأكثر ممن قد يتعرض لتلك المواقف نتيجة حدة ردود أفعالهم، وقد تقدم علم النفس ووجد علماء النفس مفهوم الذكاء العاطفي الذي يساعدنا في اجتياز المواقف الانفعالية وغيرها في خضم الحياة، فالذكاء العاطفي هو القدرة على فرز العواطف الذاتية وحسن استعمالها فهو يمكننا من فهم واستخدام وإدارة عواطفنا بطرق إيجابية لتخفيف التوتر ،والتواصل بفعالية، وإن العالم كولمان قد عرف الذكاء بأنه القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين ،وذلك لتحفيز أنفسنا ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقاتنا مع الآخرين.
فكثيرا ما يشعر الشخص نتيجة موقف ما بالغضب، فتنتج عنه ردة فعل تؤدي إلى خسارته عمله مثلا، أو خسارة صديق مقرب، فردة الفعل عملية غير واعية تحدث نتيجة التحفيز العاطفي وهو الشعور بالغضب مثلا ،والاستجابة بدورها عملية واعية وهي أن ننتبه لشعورنا ثم نقرر الطريقة التي نتصرف بها ،ثم نوضح شعورنا للشخص الذي بني الموقف معه دون مهاجمته ،فما نقوم به نحن المسؤولون عنه فالفرد مسؤول عن كل ردة فعل يقوم بها ، فما من مجبر له على ذلك الفعل ،لذلك وجب علينا التعرف على الذكاء العاطفي فهو يشمل المستوى الاجتماعي والمهني ويشمل أساسية كيفية استخدامه.
أهمية الذكاء العاطفي :
إن الذكاء العاطفي قد يساعد في إنجاح العلاقة الزوجية فهو يتيح لنا أن نعبر عن مشاعرنا وحاجاتنا و سعادتنا دون تردد، ويجعل الأزواج تشارك بعضها المشاعر ولو في أبسطها وبالتالي يعطينا طاقة إيجابية تجعلنا نستمر بهذه العلاقة بشكل أفضل.
ولا يقتصر الذكاء العاطفي على ‘نجاح العلاقات الزوجية بل المهنية والاجتماعية أيضا ، فالذكاء الأكاديمي غير كاف لجعلنا أكثر نجاحا في عملنا وفي حياتنا ،فالذكاء العاطفي يساعد في التنقل في التعقيدات الاجتماعية وفي مكان العمل وقيادة وتحفيز الآخرين والتميز في الحياة المهنية وقد بحث علماء النفس أثر الذكاء العاطفي على الشخص وتوصلوا إلى أنه يؤثر على 1ـالصحة البدنية: فعندما يكون الشخص غير قادر على إدارة عواطفه فإنه غير قادر على إدارة إجهاده وهذا سيؤدي الى مشكلة صحية خطيرة فالإجهاد غير المنضبط سيؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والسكتات الدماغية ، كما وجد العلماء بأنه يساهم في العقم ويسرع عملية الشيخوخة.
2ـ الصحة العقلية: إن العواطف والضغط غير المنضبطين يؤثران على الصحة العقلية ما يجعل الشخص عرضة للقلق والاكتئاب إذا ما كان غير قادر غل فهم مشاعره أو إيعازها وإدارتها ،وعند ذلك سيجد صعوبة في تكوين علاقات قوية ،وهذا بدوره يجعل الشخص وحيدا منعزلا فيزيد ذلك من تفاقم مشاكله العقلية.
3 العلاقات : ويقصد بها فهم الشخص لمشاعره وكيفية التحكم بها والتعبير عنها وفهم شعور الآخر ما يمكن من إقامة علاقات متينة سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، فهذا الذكاء العاطفي يحقق التوازن بين النظام العصبي من خلال التواصل الاجتماعي والشعور بالحب والسعادة والهناء.
المهارات التي بني عليها الذكاء العاطفي:
بني الذكاء العاطفي حسب الباحثين وعلماء النفس على أربع مهارات تساعد لتحسين قدرة الشخص على إدارة عواطفه والتواصل مع الآخرين.
المهارة الأولى وهي الإدارة الذاتية :
حيث يجب على الشخص أن يكون قادرا على استخدام عواطفه لاتخاذ القرارات البناءة حول سلوكه عندما يصاب بالإجهاد أو الانفعال فيسيطر على عواطفه ويتصرف بشكل مدروس ،فيتحكم بنفسه ويصبح قادرا على اتخاذ الخيارات التي تتيح له التحكم بمشاعره وسلوكياته الاندفاعية وإدارة عواطفه بطرق صحية والتكيف مع الظروف المتغيرة.
المهارة الثانية وهي الوعي الذاتي:
وهو أن يكون الشخص قادرا على التواصل مع عواطفه ،فوجود الاتصال من لحظة إلى أخرى بتجربته العاطفية المتغيرة هي المفتاح لفهم كيف تؤثر العاطفة على أفكار الشخص وأفعاله، فعلى الشخص أن يدرك فيما إذا كانت عواطفه تتوافق مع الأحاسيس الجسدية التي يواجهها ، وهل بعاتي من مشاعر وعواطف فردية مثل الغضب والحزن والخوف والفرح و….ويبدو كل منها واضحا في تغيرات الوجه الدقيقة وهل تمكنه تجربة مشاعر قوية من جذب انتباهه وانتباه الآخرين ،وهل يهتم هذا الشخص بمشاعره الأساسية وهل هو عامل في صنع القرار الخاص به.
على الشخص إعادة الاتصال بمشاعره الأساسية وقبولها ليصبح مرتاحا وكل ذلك ممكن تحقيقه من خلال ممارسة الذهن واليقظة هي ممارسة تركيزك وانتباهك عن قصد على اللحظة الحالية
المهارة الثالثة وهي الوعي الاجتماعي:
فالوعي الاجتماعي يمكننا من إدراك وتفسير الإشارات غير اللفظية التي يستخدمها الآخرون باستمرار للتواصل معنا ،وتتيح لنا هذه الإشارات معرفة كيف يشعر الآخرون وكيف تتغير حالتهم العاطفية في لحظة أخرى. والمهم أن نستطيع قراءة وفهم هذه الإشارات التي يرسلها البعض والذهن هو حليف للوعي العاطفي والاجتماعي ، ولبناء الوعي الاجتماعي علينا أن ندرك أهمية الذهن في العملية الاجتماعية بعد كل شيء
كما علينا وضع أفكار الآخرين جانبا والتركيز على التفاعل وكذلك فإن الاهتمام بالآخرين لايقلل من وعينا الشخصي وذلك من خلال استثمار الوقت والجهد وللاهتمام بالآخرين وسنكسب حينها نظرة قوية للحالة العاطفية الخاصة بنا.
المهارة الرابعة وهي إدارة العلاقات:
يجب أن يكون هناك وعي عاطفي لأن العمل بشكل جيد مع الآخر يتطلب وجوده ،كما يتطلب العمل معهم القدرة على إدراك وفهم ما يواجهه الآخرون .فبقدر ما نستطيع تشغيل الوعي العاطفي يمكننا من تطوير مهاراتنا الاجتماعية /العاطفية كذلك هي تجعل علاقاتنا أقوى وأكثر فاعلية
فعلينا أيضا إدراك مدى فاعلية استخدام الاتصال غير اللفظي فتلك الرسائل غير اللفظية قد يكون لها دور كبير في تحسين العلاقات مع الآخر ولاننسى هنا استعمال الفكاهة واللعب لتخفيف التوتر وعلينا أن نجعل من الصراع فرصة للتقرب من الآخرين ، نحله بطرق صحية بناءة تعزز الثقة مع الآخرين فهو يعزز الحرية والإبداع في العلاقات
ونهاية يمكننا القول إن الذكاء العاطفي مهمل في حياتنا الاجتماعية والمهنية وعلينا إلقاء الضوء على أهم ما توصل إليه الباحثون وعلماء النفس حوله لما له من أهمية في عصرنا هذا عصر الضغوطات والعمل الطويل..
شذى الوليد الصباغ