* حدثينا عن الحُب:
– حدّثينا عن الربيع!
قالَ الأحفادُ للجدّة.
فَهزّتِ العجوزُ رأسها ثمّ أجابتْ
– خاطئٌ هو الربيع
رهيبٌ هو الربيع!
– حدّثينا عن الحُب
عن أجملِ مافي الدُنيا.
غَنّى الأحفاد
فحدّقتِ العجوزُ في الموقد
ثُمّ أجابت: – آخ
خاطئٌ هو الحُب
رهيبٌ هو الحب!
وطويلاً – طويلاً حتى الشروق
كانت البراءةُ تُغنّي في ساحةِ
الدار:
– خاطئٌ هو الحُب.
رهيبٌ هو الحُب.
1919.
* هويّــــــة:
بعضُهم من حجر، وبعضهم من
طين
أمّا أنا فأُضيءُ وألتمعُ كالفضّة!
عملي – هو التحوّل، واسمي
مارينا(2).
أنا -زبدٌ بحريٌ متحوّل.
بعضهم من طين، وبعضه من
جلد-
ولهؤلاء قبرٌ وشاهدة.
أما أنا ففي مَغْطسٍ بحريٍ تعمّدتُ
وفي طيراني نحو الشاطئ أتكسّرُ
باستمرار.
ما من شيءٍ يقفُ في طريقِ
إرادتي،
إنّها تُعبرُ الشِباكَ والقلوب.
أتظنُ بإمكانِكَ أن تجعلَ مِني
مِلحاً أرضيّاً؟-
لعلّكَ لا تنظرُ إلى خصلاتِ شعري المجّعدةِ الكثيفةِ؟
مُتكسّرةً عندَ رُكبكم الغرانيتّية-
أنبعثُ مع كل موجةٍ جديدةٍ.
فليحي الزبد – الزبدُ المَرِحُ
الزبدُ البحريُّ العاليَ!!
23 أيار 1920
(……..)
سأخطفكِ من كلِ البلدانِ، كل
السماواتِ
لأنَ الغابةَ مهدي، وقبريَ الغابة!
لأنني أقفُ على هذهِ الأرض-
برجلٍ واحدة!
لأنني سأُغني لك-كما لا يفعل
أحد
سأخطفك من كل الأزمنة؛ كل
الليالي
كل الراياتِ المُذهبّةِ، كل
السيوف
وسأرمي المفاتيح، وأطردُ الجراء
من مدخلِ بيتي
فأنا أكثرُ منها إخلاصاً في الليلةِ
الشتويّة.
سأخطفك من الجميع- من هذه
وتلك
ولن تكون زوجاً لأحد- ولن أكونَ زوجاً لأحد.
وفي العراكِ الأخير سآخذك
من الذي وقفَ يعقوبُ بين يديهِ
في الليالي.
ولكنني مالم أصلبك على صدري
-يالعنتي!- فسيبقى جناحاك
مُشرّعنِ للطيرانِ
لأن العالم مهدك، وقبرك العالم.
15 آب 1916
(………..)
يعجبني: أنكَ لستَ مريضاً بي،
يعجبني: أني لستُ مريضةً بك،
أنّ هذهِ الكَرةَ الأرضيّة الثقيلة
لن تسبَحَ تحتَ أقدامِنا في يومٍ من الأيام.
يعجبني: أن بإمكاني أن أكونَ
مُضحكةً،
مستهترةً، فلا أتلاعبُ بالألفاظِ،
ولا أتضرّجُ بالحُمرةِ حينَ
يتلامَسُ برفقٍ ذراعانا
يُعجبني أيضاً: أنكَ بحضوري
وبكثيرٍ من الراحة
تضمُّ إليكَ امرأةً أخرى
ولا تَعِدُنِي بنار جهنّم.
أحترقُ فيها لأنني لا أُقَبِّلُك
يُعجبني: أنّ اسمي العذب
ياصديقي الطيّب.
لا يخطُرُ على بالك لا في النهار
ولا في الليل.
وأنّهم لن يُرددوا فوقَ رؤوسِنا
وفي هدوءِ الكنيسةِ: هللويا!
شُكراً لكَ قلباً ويداً
لأنّك -ورغمَ جهلكَ بذلك-
تُحبُّني
شُكراً على هدوءِ الليالي
على قِلّةِ لقاءاتنا في ساعات
الغروب.
على نزهاتٍ في ضوء القمرِ…
ما قُمنا بها.
على شمسٍ لم تقبلِ رأسينا معاً.
شكراً لأنكَ -ياللأسف- لستَ
مريضاً بي
ولأني -ياللأسف- لستُ مريضةً
بك.
3 أيار 1915
(……….)
لا، معكَ ياصديقي المُدهش
لن أقتسمَ أوقات فراغي
فلديَّ الآن صديقٌ جديد
صديقٌ جديدٌ.. صديقٌ جديد!
لديكَ قصُورٌ – وقاعات
ولديهِ غاباتٌ- وصحارٍ
لديكَ كتائبٌ- وعساكر
ولديهِ رمالُ البحر.
اليوم نتنزّه في البحارِ معاً
وغداً في الغابةِ مع الذئابِ
في كل ليلةٍ – لدينا فِراشٌ جديد
اليومَ من رملٍ، وغداً من
حجارة!
وهكذا -أيّها السيّد- إن أحبَّ
صديقي
فكي يعمَّ النورُ الدنيا؛ كما في
عيد الفصح.
اليوم البدرُ قنديلُنا
وغداً النجومُ مصابيحُنا
كانَ فارساً يحسدُهُ الناس.
كانَ ضيفاً لطيفاً
وحين رأى عينيَّ
تركَ جيشَهُ وأتاني.
10 تشرين ثاني 1918.
الهوامش:
2 – لاسم (مارينا) ولكلمة (بحر) جذرٌ واحدٌ في اللغةِ الروسيّة.
والشاعرة مارينا تسفيتايفا واحدة من أشهر الشاعرات الروسيّات، ولدت في موسكو 1892 وعاشت كما كتبت ذات يوم «كما يحب الله- ولا يُحب الأصدقاء»، وأنهت حياتها منتحرةً في قرية روسيّة صغيرة سنة 1941، بعد عودتها إلى الاتحاد السوفييتي. هذه القصائد مختارة من أعمالها الكاملة، طبعة أشخباد، تركمنستان، 1986، ص (71-72-73-74-75-77-92-120-121-122-123-140).
(نشرنا منذ أيام قسما أولاً، وننشر هنا القسم الثاني)
ترجمة: د.ثائر زين الدين