لاحظ المعنيون بشؤون المدارس والتربية والتعليم في السويد , أن التلاميذ كانوا يكرهون درس الجغرافيا, وأن إقبال التلاميذ على فهم هذه المادة المهمة عن بلدهم ضعيفة … ومن خلال بحثهم لهذه الظاهرة , وجدوا أن كتاب الجغرافية المقرر للتلاميذ ممل وكئيب ومملوء بالمعلومات التي لاتجذب التلاميذ.
… . لِذا فكروا بأن يوكلوا المهمة للكاتبة سيلما ليكرلو، بمهمة مفادها : (نحن بأمس الحاجة إلى كتاب جغرافيا يستمتع الطلاب بقراءته في حجرات الدراسة) ، فوافقت وقبلت التحدي وكان ذلك عام ١٩٠٠م … ولكن كيف لها أن تنجز هذا العمل إن لم تفكر بطريقة تحاكي عقول الصغار وتشوقهم إلى المتابعة والاستمرار في المعرِفة , ثم ماذا عن جغرافية البلاد نفسها ؟!!
فهي كاتبة وليس لها إلمام بجغرافية البلاد ؟!! فما العمل ؟!! لقد كُلِفت بالمهمة سنة 1900 … قبلت التحدي وأخذت هذه المهمة منها (6 سنوات) … قضتها بحثاً وزيارة لأنحاء مملكة السويد كافة، ودراسة لحيوانات ونباتات البلاد، وتعمقاً في عادات وتقاليد المجتمع، وأساطيره وموروثه الشعبي، لتمزج كل هذا وتعيد طرحه عبر قصة الفتى «نيلز هولقيرسون»
ذلك الطفل الذي عوقب نتيجة سوء معاملته للحيوانات أن حوله قزم المزرعة إلى قزم كذلك! ليستطيع حينئذ فهم لغات الحيوانات ويتحدث معها، وبعد سلسلة من الأحداث والمطاردات ينتهي به الأمر مسافرا على ظهر إوزة ضخمة عبر أراضي مملكة السويد، وخلال رحلته يتعرف عن قرب على مقاطعات البلاد وتضاريسها وأساطيرها بأسلوب مشوق، وبوصف أسر قلوب الطلاب والطالبات على الفور. .
والمثير في الأمر أن رواية «نيلز هولقيرسون ورحلته الرائعة عبر السويد» لم تنجح فقط في المدارس، بل على المستوى الوطني، وترجمت – أيضاً – إلى أكثر من ثلاثين لغة منها اللغة العربية حتى إن بطل الرواية الفتى «نيلز» ظهر على خلفية العملة السويدية فئة العشرين كرونا، بينما ظهرت الأديبة «سيلمى» نفسها على الوجه الأمامي للورقة المالية! وتم تكريمها عالميا بمنحها جائزة نوبل للآداب عام ١٩٠٩م وغني عن القول إن هذا العمل الفريد من نوعه تحول إلى عدة أفلام سينمائية، وظهر على شكل مسلسل رسوم متحركة حقق الكثير من الانتشار الدولي، ولكن بعد إعادة معالجة القصة وجعلها تغطي أبرز معالم العالم.
الخلاصة: في صراع التقدم بين الدول، يتنافسون في تطوير الفكر وأساليب التعليم والتطبيق في المدارس، لأنهم يعلمون مدى أهمية الطفل في بناء الدول، وفي رسم الطريق نحو المستقبل، و تجربة دولة السويد هذه في تطوير المناهج التعليمية مثالٌ رائد ويُحتذى.