مع تزايد حاجات الأسرة اليومية وضغوطات الحياة كان لابد من مشاركة الزوجة مصاريف الأسرة وخروجها للعمل لتأمين دخل إضافي وتحقيق ذاتها في نفس الوقت، فهل تتأثر أحوال الأسرة كثيراً بساعات العمل الطويلة التي تقضيها الأم بعيداً عن البيت؟.
مضطرة
إيمان موظفة تقول: أضطر للعمل كضرورة حياتية، لأستطيع الإسهام في تحمل الأعباء المعيشية، والإنفاق على أولادي بطريقة لائقة تفي باحتياجاتهم التعليمية والمعيشية لأن دخل زوجي لايكفينا ولابد من دخل إضافي.
معاناة
تروي فريحة وهي موظفة معاناتها اليومية مع ساعات العمل التي تمتد إلى ثماني ساعات، وتقول: لدىّ ثلاثة أطفال، اثنان منهم في المرحلة الابتدائية، وزوجي لديه عمله أيضاً، وينهي عمله قبلي، وربما ذلك يخفف من وطأة قلقي في آخر ساعات العمل الطويلة، وعندما أصل إلى البيت أجد نفسي منهكة تماماً، ورغم ذلك لابد من الانتهاء من المسؤوليات المنزلية اليومية، وأضطر أن أبحث عن وقت لمساعدة أطفالي في مراجعة دروسهم، ولا أكاد أتفرغ لهم، إذ يحل موعد نومهم، وهكذا أكتشف أن اليوم قد فات، ويأتي الغد شبيهاً لليوم وهكذا.
وأكثر ما يزعجني هو إحساسي بالتقصير تجاه أطفالي فالأم العاملة تتحمل ضغوطاً نفسية وبدنية وعصبية عديدة، وهذا ينعكس بصورة سلبية على الأبناء بكل تأكيد.
كذلك تشكو بشرى من عدم قدرتها على التواصل مع أهلها بشكل جيد، كما أنها لا تجد متسعاً من الوقت للقيام بأي زيارة للأهل أو الأقارب، أو حتى ممارسة أية هواية شخصية، وتقول إن ساعات عملها طويلة جداً خارج المنزل، ما يعرضها للمتاعب وتجد نفسها أسيرة بين واجباتها الوظيفية، والتزاماتها الأسرية والاجتماعية العديدة.
من جانبها تؤكد سارة «موظفة» أن ساعات العمل الثمانية طويلة ولاتتناسب وظروف المرأة، وخاصة تلك التي ترعى أسرة وأبناء، ونجدها مشتتة بين هذا وذاك، حتى إن اهتمامها بنفسها يتأثر من دون شك مع حالة الضغط النفسي الذي تعيشه، وينعكس ذلك على الأسرة تماماً، ولا أظن أن هناك من يسلم من التأثير السلبي لغياب الأم عن البيت طيلة هذه الساعات، فبعد الانتهاء من العمل لا أجد من الوقت ما يكفي، لرعاية أطفالي والاهتمام بزوجي، أو حتى تبادل التواصل الاجتماعي والأسري مع عائلتي.
يضاعف متاعبها
أما سلمى فترى أن عمل المرأة في القطاع الخاص يضاعف متاعبها وضغوطها ومشكلاتها، حيث يتطلب العمل في أحيان كثيرة أن يمتد لأكثر من ثماني ساعات، وربما تضطر بعض الزوجات إلى تأجيل الإنجاب لأن ليس لديها وقتاً لرعاية الأطفال، أو لأنها تخضع لضغوط نفسية ومعيشية عديدة تضطرها إلى أن تعمل لساعات أطول، ففي هذه الحالة سيكون الأطفال ضحايا الإجهاد والتعب والضغوط النفسية والعصبية.
لذا فإنني أنتظر عطلة نهاية الأسبوع بفارغ الصبر حتى أحقق ما لا أستطيع تحقيقه خلال الأسبوع، فلا وقت للزيارات ولا حتى ممارسة أية هواية، فكثيراً ما تسبب هذه الحالة من الضغوط الإحساس بالاكتئاب، والتفكير في ترك العمل، لكن سرعان ما تتلاشى هذه الفكرة أمام وطأة المسؤولية.
ضغوط.
رقية «معلمة مدرسة» تقول: رغم أن عدد ساعات عمل المعلمة يبدو معقولاً مقارنة بساعات العمل الطويلة في دوائر أو أماكن عمل أخرى، إلا أن العمل بشكل عام يرهق المرأة والرجل معاً، بل يضفي مزيداً من الضغوط النفسية والعصبية على المرأة نظراً لكونها تتحمل عبئاً كبيراً من المسؤوليات الأسرية والاجتماعية، ومسؤولية رعاية الأسرة، وهذا الضغط قد يؤثر على طريقة تعاملها وتعاطيها مع مشكلات الأبناء والتزاماتهم اليومية، أو في علاقتها مع زوجها، وفي كثير من الأحيان تضطر الأم للاستعانة بمدرّسة خصوصية لمساعدة الأبناء في دروسهم وحل واجباتهم. لكن بشكل عام نجد أن الأطفال هم أكثر الأطراف تأثراً بعمل الأم ، كذلك نجد أن التواصل والحوار الأسري يتأثر إما لعدم وجود متسع من الوقت أمام الأم الموظفة، أو انشغال الأب في عمله وغيابه عن البيت لساعات طويلة.
وأخيراً نقول: العمل ضرورة للمرأة، وجزء مهم من كيانها ودورها النفسي والاجتماعي ورسالتها وشراكتها في الحياة، وإن تخلت عنه، ربما تجد نفسها أسيرة للعزلة الاجتماعية، أو تعاني من وقت فراغ، ويجب ألا تكون الحلول بالتخلي عن العمل، وإنما بالبحث عن طرق ووسائل وأساليب جديدة تعالج وتستوعب سلبيات ابتعادها عن بيتها لساعات طويلة، لأن المرأة تعمل للضرورة وليس للتسلية.
ر. ق