لم يعرف جميل الذي دخل عقده السابع من العمر، كيف اشتعل رأسه شيبا على حين غرة وهو يقاسي من الظروف المعيشية الصعبة التي أثقلت كاهله ولم تسمح له أن يقضي السنوات المتبقية من عمره شأنه شأن أقرانه الذين يعيشون أجواء الراحة مع أبنائهم الذين رفعوا عنهم كاهل العمل والمسؤولية.
حيث وجد نفسه مسؤولاً بالرغم من كبر سنه، عن أسرة تتكون من خمسة صغار وزوجة. ومما زاد من حجم معاناته أسرة ابنه الشهيد الذي ترك له زوجة و٣ أطفال، ثم زاده ابتلاء بعد ذلك بأن يتوفى زوج ابنته، ليكون أثر ذلك مسؤولاً عن توفير مستلزمات المعيشة لكل هؤلاء.
71عاماً من العمر
قضى جميل الثلثين الكبيرين منه بالعمل الشاق، بحر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارس، عمله الذي اعتاد على أن يؤديه في وقته، ويستمر مسلسل كده ومعاناته حتى مساء اليوم، ليزيد عمله من المعاناة التي تأبى أن تتركه، معاناة عندما أوجزها فقال إنها معاناة أمراض السكر وارتفاع ضغط الدم والتهاب المفاصل.
وبالرغم من معاناته المعيشية والصحية أو الجسدية، إلا أنه لم يحمّل أي جهة أو مسؤول أية مسؤولية، مكتفيا بالقول إن متطلبات حياته مع أسرته المعيشية فاقت جهده ومقدرته على توفيرها، لذا وجد نفسه مضطراً على عمله في «العمالة» البناء وخاصة أن راتبه التقاعدي لم يعد يكفي لتوفير مستلزمات الحياة.
أما الرجل السبعيني أبو سعيد فإنه منذ ٥٠ عاماً وحتى الآن لم يفارق «البسطة» المكان المتواضع الخاص به للمتاجرة ببعض الحاجيات البسطة.
يقول إنه لم يبرح مكانه طيلة تلك الفترة لا في الصيف ولا في الشتاء، وهو يعاني من صعوبة ظروف معيشته بالرغم من كبر سنه، التي لم تعد تعينه على العمل مثل السابق. وتأتيه بعض المساعدات المادية والعينية ولكنها لاتكفيه ليترك عمله في هذه «البسطة» بشكل نهائي فإنه يساعده على سد بعض من مستلزمات معيشة أسرته.
فيما تجلس «أم حيدر» بالرغم من دخولها العقد السادس، في الشارع مفترشة أرضية السوق، لتتخذ من «بسطة» وسيلة لبيع بعض الحشائش والخضراوات والفواكه وغيرها من منتوجات الأرض لتعيل أسرتها وأسرة ابنتها التي فقدت زوجها ولا تعرف عنه شيئا.
مما جعلها مضطرة على هذا العمل الذي لا تجني منه من أرباح سوى مبلغ زهيد، لا يتكافئ مع المعاناة التي تواجهها بسبب حر الصيف وشمسه اللاهبة وبرد الشتاء ومطره.
وترى الاختصاصية النفسية سمر حسين تقول: إن في عمل كبار السن ثمة سلبية وإيجابية في الوقت نفسه. مصنفة أن هذه الآثار السلبية والإيجابية تعتمد على المسن نفسه.
وقالت إذا كان المسن مضطراً على الخروج إلى العمل قد يؤدي ذلك إلى زيادة حالات الانفعال النفسي في تعاملاته اليومية مع أسرته والمجتمع وقد يقود الكآبة إلى مصاحبته له أثناء تأديته عمله.
وأضافت أما النوع الثاني من الآثار فهو الإيجابي، فعمل المسن في هذه الحالة قد يسهم بصورة إيجابية عندما يعاني من الوحدة والعزلة النفسية وبعض من صور التهميش النسبي من أسرته أو المجتمع.
و إن الإحساس الأخير يقود المسن إلى محاولة إثبات وجوده وأنه ما زال مؤثراً بحيث يحتاجه الآخرون كما هو بحاجة إليهم وليس عالة على الأسرة أو المجتمع، وهذا الإحساس أو الدافع يعتبر نقطة إيجابية جداً تجعل من المسن مصراً على العمل بل إنه يبدع فيه كما نشاهد ذلك في كثير من الصور والمشاهد التي شهدناها.
ازدهار صقور