لمواجهة الآثار السلبية التي تركتها الأزمة التي عصفت ببلادنا فإن إعادة الإعمار تمثل خطوة أساسية لأعادة البناء وخاصة بناء الإنسان كان لابد من التركيز على الأكثر تأثراً وإيجاد الدعم النفسي للأفراد والمجتمع بدءاً من الأطفال فلذات أكبادنا ،وهذا ما جعلنا نلتقي خبير الدعم النفسي الدكتور أحمد الكنج المدرس في كلية التربية في حماة للحديث عن الدعم النفسي للأطفال.
ما هو مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي؟
يركز الدعم النفسي الاجتماعي على النواحي النفسية والاجتماعية للفرد ويدل هذا المصطلح على التفاعل بين المصطلح النفسي والاجتماعي حيث يتضمن البعد النفسي العمليات النفسية والمشاعر وردود الفعل الداخلية والعاطفية والفكرية أما البعد الاجتماعي فيشير إلى العلاقات والشبكات الأسرية والمجتمعية والقيم الاجتماعية والممارسات الثقافية، ويتضمن المصطلح كذلك تعزيز قدرة الفرد والمجتمع على التعامل مع ظروفهم على نحو أكثر فعالية.
أما المساعدة النفسية-الاجتماعية الأولية، فتقتصر على الإسعافات الأولية والدعم الإنساني، وهذا النوع من التدخل يساعد الأفراد على مواجهة الحدث الضاغط، ويمكنه التقليص من آثار الصدمة النفسية في المرحلة اللاحقة. وتشمل: مساعدة الناس للحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، المياه، المأوى والأمان و الاستماع إلى الناس ومواساتهم ومساعدتهم على الشعور بالأمان، وتقديم الدعم المادي والاجتماعي والعاطفي. ومساعدتهم على استعادة قدراتهم لمساعدة أنفسهم والآخرين.
من هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى اهتمام خاص في الأزمة؟
دلت الدراسات على أن أكثر الأشخاص تضرراً أثناء الأزمة هم:
1- الأطفال بمن فيهم المراهقون
2- الأشخاص الذين لديهم حالة صحية سيئة مثل المعوقون والمسنون
3- النساء والأشخاص الذين ينتمون إلى جماعة أثنية معينة
ما هي مجالات الدعم النفسي الاجتماعي؟
هناك عدة مجالات للدعم النفسي نذكر منها:
الأنشطة النفسية: يتضمن الأنشطة الهادفة إلى تعزيز المهارات الشخصية التي تمكن الطفل من المشاركة بإيجابية في الحياة اليومية. ويشمل هذا الإبداع والخيال والتعبير والثقة بالنفس، والتركيز، وكذلك الوعي العاطفي والتعاطف.
دعم الأقران: يتضمن الأنشطة المتعلقة بدعم الأقران والهادفة إلى تعزيز المهارات الاجتماعية التي تمكن الأطفال من التواصل مع أقرانهم والتفاهم معهم ومسايرتهم. ويشمل الاستماع الفعال، والتعاون، وبناء فريق العمل.
الأنشطة المجتمعية: يشمل الأنشطة التي تتيح للطفل التفكير في مجتمعاتهم الأوسع – خارج المنزل والمدرسة أو المشاركين في جلسة الدعم النفسي الاجتماعي- بهدف تعزيز وعي الاطفال كمشاركين نشطاء في مجتمعهم.
ما هي أساليب الدعم النفسي الاجتماعي؟
هناك عدة أساليب للدعم النفسي الاجتماعي نذكر منها:
اللعب العلاجي: يستخدم مع الاطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية مثل المخاوف والتوترات النفسية حيث يساعد على حل هذه المشكلات.
النشاط البدني: يساعد الطفل على صرف الطاقة ويؤدي الى حدوث توازن بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية.
الاشغال اليدوية والرسم والتلوين واللعب بالمعجون: حيث يعبر الطفل من خلالها عن صراعاته الداخلية وهي فرصة للتخفيف عن الضغوط التي تحيط بهم، وتتجلى قيمة هذه الأنشطة في أنها تلعب دورا هاما في تعزيز رفاه ومرونة الأطفال.
ما هي مراحل الدعم النفسي الاجتماعي؟
للدعم النفسي الاجتماعي مراحل ثلاث هي:
التعرّف: وتشمل جمع المعلومات من خلال الحصول على قاعدة بيانات عن الخدمات المتاحة، مجالات التخصص ووسائل التوجيه. الحصول على قائمة بالاحتياجات الأساسية، وتعقب الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة و تحديد الاشخاص/الموارد ضمن السكان المتضررين: الأطباء، رئيس البلدية، ممرضة، مربية أطفال تحديد الأشخاص المعرضين للخطر والضعفاء
الاستماع: وتتضمن الذهاب نحو الذين يبدون في محنة و السؤال عن احتياجات واهتمامات الناس و الاستماع إلى الناس وتهدئتهم.
التوجيه: وتشمل مساعدة الناس للحصول على احتياجاتهم الأساسية و توجيه الناس الضعفاء الى فريق المتخصصين ودعم الأهل للاستمرار برعاية أطفالهم و إعادة التواصل بين أفراد العائلة الواحدة وبين الأصدقاء.
وتمثل هذه الخطوات الثلاث حلقة مغلقة طوال مدة الأزمة، وإن عملية التدخل النفسي الاجتماعي ليست مبنية فقط على مراحل محددة وموزعة ولكن تواكبها أعمال أخرى تدعمها وتيسر الوصول إلى أهدافها، وهي لقاءات فردية أو جماعية، تساعد على بناء الثقة بين العامل الاجتماعي والناس وعلى رعاية دائمة ومستمرة للأطفال، إضافة الى ذلك يعتبر اللعب أساسي لمساعدة الأطفال لتخطي الصدمات والمخاطر التي يواجهونها، وتدعم الطفل وتساعده على التعبير والتفريغ عن أحاسيسه ومشاعره.
ماهي الأخلاقيات المهنية للدعم النفسي الاجتماعي؟
– المعرفة والالتزام باتفاقية حقوق الطفل من قبل جميع العاملين مع الأطفال
– التوضيح للمستفيدين (الأطفال والبالغين)، لدور وصلاحيات وقدرات العاملين
– الحصول على موافقة الوالدين للعمل مع الأطفال.
– الحرص على احترام ثقافة ودين وعادات الأهل في أي تدخل
– تجنب الاتصال الجسدي بين المتدخل والطفل خصوصا خلال السنوات الصغيرة
– تجنب إعطاء وعود يصعب الالتزام بها و الصبر والتسامح والهدوء وتوفير المعلومات الدقيقة
– احترام إرادة الناس في سرد قصتهم أم لا. لا يجب التطفل أو طرح أسئلة مباشرة أو القيام بالتحقيق
– حماية الأطفال من استغلال وسائل الإعلام
– معرفة كيفية العمل ضمن الفريق وتفويض المسؤولية إلى فرق متخصصة
أما ردود الفعل الشائعة لدى الأطفال أثناء الأزمات فقد أجابنا:
إن من الأخطاء الشائعة لدى المعنيين بالصحة التصور بأن الاطفال لا يفهمون الصدمة ولا يبالون لآثارها، والحقيقة هي أن الأطفال يدركون ذلك ولكن بطريقتهم الخاصة وأنهم يتفاعلون جراءها ولكن أيضا بطريقتهم الخاصة ومن أمثلة ردود الفعل لديهم:
– الشعور بالخوف وبالأخص عند حلول الظلام أو عند الابتعاد عن الأبوين والتعلق بالأبوين والخوف من أن يبتعدا عنهم و التحول إلى سلوكيات طفوليه يتميز بها أطفال دون سنهم كمص الإبهام وسلس البول والنطق بطريقة طفولية والقلق الشديد على صحة الأبوين و الخوف من فقدان أفراد الأسرة المقربين والنشاط المفرط والحركة الزائدة والشكوى من أعراض جسدية كالصداع وآلام البطن دون أن يكون لها سبب مرضي و عدم التركيز خلال الدرس وانخفاض في معدلات الأداء المدرسي وفقدان الشهية وعدم القدرة على النوم والشعور بالحزن و الانسحاب من المجتمع و الميل للصمت.
وفي نهاية حدثنا الدكتور أحمد عن شيء أساسي وضروري وهو المكان الصديق للطفل:
هي الاماكن التي يجري تصميمها وتشغيلها بطريقة تشاركية حيث يستطيع الاطفال المتضررون من النزاعات والكوارث أن يحصلوا على بيئة آمنة ويمكن تقديم برامج متكاملة تشمل الالعاب والتسلية والتعليم والدعم النفسي الاجتماعي لتقوية مرونتهم النفسية بعد المرور بحالة طارئة أو أزمة وقد قامت مؤسسات المجتمع الأهلي في محافظة حماة بالتشاركية مع المنظمات الدولية بإحداث عدة أماكن صديقة للطفل وتسميتها (مركز حلم) مثل مركز حلم التابع لدائرة العلاقات المسكونية والتنمية في حماة وكذلك مراكز تابعة لجمعية الرعاية الاجتماعية في حماة.
ونهاية تؤكد الفداء أن الطفل هو الأمل المعقود لبناء هذا المجتمع سليما معافى قادرا على مجاراة كبرى الدول بمجتمعاتها المتطورة.
شذى الوليد الصباغ