القطن السوري «الذهب الأبيض» يعد من أجود الأنواع بالعالم ويشتهر بالتيلة القصيرة والمتوسطة، وكانت سورية من أهم دول المنطقة في زراعته والثانية عالمياً فهو محصول استراتيجي كالقمح والشوندر، لما له أهمية في الصناعات النسيجية والزيوت، ذو مردود مادي للفلاحين وأيضاً لخزينة الدولة، ولكن زراعته تراجعت كثيراً في بعض المناطق في سهل الغاب والتي كانت سابقاً الأولى على مستوى القطر في زراعته وذلك لأسباب كثيرة.
الفداء التقت عدداً من الفلاحين في منطقة الغاب للكشف عن الأسباب والمعوقات التي جعلت الفلاحين يعزفون عن زراعته.
المزارع علي محمد من قرية المحروسة قال: لدي 28 دونماً، و نعتمد في السقاية على الآبار الارتوازية المجهزة بالمضخات التي تعمل على المازوت في قريتنا، فكل ساعة ري تحتاج ما بين (10- 15) لتر مازوت والقطن بحاجة إلى سقاية كل 15 يوماً في الصيف وسعر المازوت مرتفع الثمن جداً والحكومة لا تؤمن الكميات الكافية منه للري، وسعر لتر المازوت الحر 500 ليرة أي كل ساعة سقاية تحتاج إلى 5000 آلاف ليرة وهذا ما ليس لنا قدرة على شرائه حتى وإن توافر بالسوق الحر ناهيك عن تكاليف البذار والأسمدة وأجور اليد العاملة و أجار الحراثة وسعر الخيش وتدني سعر القطن، فزراعته أصبحت خاسرة ولن نستطيع زراعته ما لم تدعم الحكومة الفلاح دعماً كاملاً ولقد استبدلنا زراعته ببعض المحاصيل الأخرى والتي لا تحتاج إلى سقاية كثيراً..
الفلاح وفيق سويد عبدو من قرية شطحة قال: لدي حوالى 60 دونماً وهي من أخصب الأراضي في شطحة، فمنذ عشرات السنين كنا نزرع القطن وبأجود أنواع حيث كانت المياه متوافرة للسقاية وقناة (A) أي شقة الألمان تتوافر فيها المياه طوال الصيف ولكن بدأت المياه تنحسر فيها ولا نعلم ما هي الأسباب التي جعلت المسؤولين يمتنعون عن تأمين الموارد المائية للمنطقة في محافظة حماة من تغذية القناة بالمياه صيفاً علماً أن السدود التي تغذيها لم تتغير وهي ذاتها حتى الآن ومليئة بالمياه، ليبقى سهل الغاب جافاً قاحلاً طوال فصل الصيف وخاصة المنطقة الواقعة من أراضي قرية مرداش وحتى أراضي ناعور جورين وشطحة والعزيزية والرصيف والجيد وعين سليمو.
وأضاف عبدو : انحسرت الكثير من المزروعات الصيفية في منطقتنا ومنها القطن وذلك بسبب قلة المياه وغلاء المازوت وعدم توافره بالشكل الكافي والبذار وإهمال الزراعة للخطة المقررة في المنطقة، كل هذه الأسباب أدت إلى تراجع زراعة القطن وزراعات كثيرة في قرانا حيث أصبحت اراضينا عرضةً للجفاف والتصحر وهجرة أبنائنا للعمل في الدول المجاورة للسعي وراء لقمة العيش ففقدنا بذلك اليد العاملة وخسرنا أراضينا التي هي مصدر عيشنا و رزقنا.
المزارع سامر علي خضر من قرية الحيدرية قال: قلّت خطة زراعة القطن في سهل الغاب ولم تعد الحكومة تدعمها ونحن من غير الدعم لا نستطيع فعل أي شيء فالتكاليف باهظة من مازوت والأدوية الزراعية وأجور النقل واليد العاملة والبذار السيء «المعفن» وأهمها عدم توافر مياه الري لسقاية المزروعات الصيفية فالقطن بحاجة لمياه دائمة والسدات المائية التي يعملون بها حالياً تحجز المياه عند جسر مرداش على شقة الألمان وما قبلها ولا تترك للوصول إلى أراضي الحيدرية وشطحة وصولاً الى ناعور جورين.
وأضاف خضر أن نوعية البذار تلعب دوراً هاماً في الإنتاج، على سبيل المياه هنالك نوع من البذار ينتج للدونم الواحد ٢٥٠كغ بينما يوجد أنواع أخرى من البذار تنتج أكثر بكثير مما يؤثر على كمية الإنتاج وعموماً لم تعد زراعة القطن في الغاب رابحة بسبب انعدام المياه صيفاً وغلاء المازوت وعدم دعم الحكومة لزراعته، فالزراعة الصيفية في أراضينا انعدمت وأصبحت الأراضي قاحلة وصفراء وإذ لم تؤمن الحكومة مورداً للمياه سنخسر أراضينا وستخسر الحكومة أيضاً لأنها شريكة الفلاحين بالزراعة والإنتاج.
رئيس الرابطة الفلاحية بالغاب حافظ سالم قال: حتى يستطيع الفلاحون زراعة محصول القطن يجب تأمين مصدر مائي دائم ورفع قيمة المحصول بما يتناسب مع تكاليف الإنتاج وتخفيض سعر المازوت أو دعمه للفلاحين وإحداث مراكز تجميع للأقطان وإنشاء محالج في المنطقة وتأمين بذار جيدة ذات مردودية عالية وبهذه الحالة يتم زراعة محصول القطن بالمساحات المخصصة من قبل وزارة الزراعة وضمن خطة لزراعة القطن ودعمها.
ونوه سالم إلى أن إنشاء الخزانات المائية التي تم طرحها في عدة مؤتمرات واجتماعات مع المعنيين بهذا الأمر تساعد على زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالشوندر والقطن ويجب دراسة محاصيل شبيهه بالمحاصيل الاستراتيجية تعتمد من قبل الحكومة.
ومن جهته كشف مدير الثروة النباتية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب المهندس وفيق زروف عن واقع زراعة محصول القطن في مجال إشراف الهيئة حيث بدأت المساحة المزروعة بالقطن بالتناقص منذ عام ٢٠١٢ تدريجياً وذلك بسبب التكاليف المرتفعة لهذا المحصول والربح القليل وخسارة لبعض المزارعين ففي عام ٢٠١٢م كانت المساحة المزروعة 5895 هكتاراً وبدأت بالتناقص حتى وصلت في عام ٢٠١٧ م /85/ هكتاراً وذلك بسبب ارتفاع سعر مادة المازوت وخاصة المزروعة على الآبار الارتوازية وارتفاع مستلزمات الإنتاج ووضع تسعيرة لا تتناسب مع ارتفاع التكاليف وبيع مستلزمات إنتاج المحصول نقداً للمزارعين من قبل المصارف الزراعية وارتفاع أجور النقل إلى المحالج وظهور المحاصيل المنافسة لمحصول القطن أقل تكلفة وسعر مبيعها أعلى من سعر القطن وبالتالي أكثر ربحاً كمحصول الفول السوداني الذي يفوقه بالإنتاج والسعر وتأخر صدور سعر الشراء فالمزارع يسوق القطن احياناً ولا يعرف ما هو السعر الجديد للقطن وكذلك الجفاف وقلة المياه فالمنطقة بحاجة إلى سدود لدعم مياه الري في الشبكات الحكومية الأقل تكلفة من مياه الآبار، وكل هذه الأسباب أدت إلى تراجع زراعة القطن.
ونوه زروف إلى المقترحات التي تساعد على زيادة المساحات المزروعة كتخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج وتخصيص مساحات القطن المزروعة بمادة المازوت اللازمة بسعر مدعوم خاص لمحصول القطن و وضع سعر منافس للمحاصيل الأخرى الذي يقبل عليها المزارعون وترك هامش ربح جيد للمزارعين لتشجيعهم على زراعة القطن وتسويق كامل إنتاج القطن إلى المحالج وبأجور نقل مخفضة وتأمين مستلزمات الإنتاج من المصارف الزراعية قبل موعد زراعة القطن.
أخيراً..
والكلام للمحرر يجب على الحكومة تأمين موارد للمياه للري صيفاً في منطقة الغاب ومنح التراخيص الزراعية لزراعة القطن ودعم الفلاح بالقروض الطويلة الأمد ومن دون فوائد وتأمين مستلزمات الإنتاج وتسويق الإنتاج عن طريق المصارف الزراعية ودعمها كي يتمكن الفلاح من زراعة القطن حتى لا تخسر الحكومة الذهب الأبيض.
حماة – حيدر أحمد