الثقافة.. ماذا بعد؟ سلسلة محاضرات فكرية لشعبة الهلال الأحمر بسلمية (مغيبات الثقافة العربية) للباحث منذر الشيخ ياسين

بما أن الثقافة هي الحاجة العليا للمجتمع, فهي إذاً بمثابة الخبز اليومي للفكر وهي الصورة المثلى لتقدم أي مجتمع أو تخلفه.
من هنا ومن منطلق ترسيخ الثقافة والحوار, أقامت اللجنة الثقافية لشعبة الهلال الأحمر بسلمية, سلسلة محاضرات نوعية حول الثقافة كمفهوم, قدمها الباحث منذر الشيخ ياسين, وكانت على شكل محاضرات تفاعلية تحت عنوان: (الثقافة ماذا بعد؟!).
المحاضرة الثالثة من هذه السلسلة الثقافية كانت بعنوان : مغيّبَات الثقافة العربية) وهي دراسة فكرية حداثوية.
على هامش هذه المحاضرة التقينا الباحث منذر الشيخ ياسين وسألناه:
هل لك أن تقدم لنا لمحة موجزة عن المحاضرتين السابقتين من هذه السلسلة الفكرية؟
ـ تم الانطلاق في المحاضرة الأولى من كيفية وضرورة ارتسام الثقافة بكل مكوناتها عملياً في ثلاثة أصعدة أساسية هي : (التشريع, التعليم، العمل) والتي تعتبر الحامل الحقيقي لثقافة أي مجتمع إنساني تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً, وتحكمها معايير محددة تحرص على اختبار وتطبيق النهج الثقافي المحمول في ضوء الحاجات والإمكانات والأهداف المجتمعية.
المحاضرة الثانية كانت حول الملامح والظواهر السلبية المشتركة للثقافة الحالية على الساحة العربية, والتي أخرجت العالم العربي من ساحة التفاعل الإيجابي العالمي إلى خانة المفعول به, المترافقة بالكلفة الباهظة على كافة الأصعدة حاضراً ومستقبلاً.
المحاضرة الثالثة بعنوان (مغّيَبات الثقافة العربية)، ماهي برأيكم أبرز هذه المغيبات ومعوقات انتشار الثقافة؟
تطرقت في المحاضرة إلى ستة محاور أساسية تمثل الخصائص الغائبة عن مقومات إنتاج ثقافة عربية حداثوية مجدية تمثلت بـ :
أولاً التجرد: لطالما تمسكت الثقافة العربية بالارتباط بمرجعيات استنادية، سواء دينية أو فلسفية أو تاريخية، حولتها إلى ثقافة دفاعية صنمية, تقوم على تجاذبات الاختلاف مابين الشد والنفور, تحت شعارات الانتماءات الطيفية, والتي لم تنتج إلا التقسيم والقوقعة تحت مظلات الهيمنة والتخلف والتبعية, مما أضاف معوقات أكثر أمام عملية التجرد, وإلحاحاً مضافاً للحاجة إليها في ضوء موجبات الالتقاء والتشاركية القائمة على وحدة وشمولية الهوية الوطنية, بهدف الارتقاء المجتمعي النوعي وليس التنوعي بالمعنى التقسيمي الشائع.
المحور الثاني العلمية: فمع سيطرة التخلف والهيمنة والتبعية ومنتجاتها تضمر بديهياً التوجهات العلمية وأدواتها الفكرية والعلمانية لتصبح نشازاً عن الواقع بقدر ماهو الواقع نشاز عن مرحلته التاريخية المفترضة في زمن فيه موازين القوى والفاعلية على الإنجازات العلمية النظرية والتطبيقية وآليات إنتاجها الفكرية والمعرفية.
المحور الثالث من مغيبات الثقافة هو الحقيقة, وهي ناتج توفر ميزتي التجرد والعلمية, مما يجعلها مقدمات صحية في الثقافة، تؤدي إلى نتائج صحيحة , وتحد من تطرف الثقافات القطبية وأدواتها ومنتجاتها التضليلية الخادعة لمصالح فئوية محددة.
رابع المحاور .. الواقعية: حيث يعتبر الوصول إلى الحقائق إنما هو الكشف عن الواقع بمعزل عن التأويل في إطار ماهية وقائعه, مما يفرض علينا التفاعل مع خواص الواقع بذاتها وبحدوث أدوات معرفية وتطويرية تحاكي حقائقه.
المحور الخامس هو الهدف: فالثقافة الحقيقية هي حركية دائمة وباتجاهات حتمية, هدفها الأروع والأبدع والأجدى , وهذا يقوم على خواص الإنسان في وعي ذاته ومحيطه من جهة والعمل على تغيير وتطوير هذه الذات والمحيط .
سادس المحاور وآخرها في مغيبات الثقافة العربية هو العالمية, فلقد أصبحت هذه الأخيرة نمط الإنسان النوعي الفاعل, وهنا تدخل في منعطف حاد لمسألة الهوية والانتماء وما يتبعها من الثقافة المجتمعية, بأن نحل عقدة كيف نكون نوعيين عالميين بملامحنا نحن كما الآخرين, الذين أصبحوا مع ترحيبنا وتهليلنا لهم, شئنا أم أبينا ,وما كانوا نجحوا لولا وعيهم وتفعيلهم للنقاط الست التي ذكرتها وتفوقهم بإقناعهم العالم بنوعيتهم من خلال قوة الجدوى كيفاً أو قسراً, وعليه لم يعد بالإمكان متابعة الإسهاب في الآليات النمطية التقليدية لما جرى اختبار جدواه على مدى عقود وقرون وفشلت في مؤداها, والانتقال إلى صفة تحقيق المقومات الست أعلاه, إثباتاً لجديتنا في إنتاج ثقافة حضارية تليق بنا في القرن الحادي والعشرين.
برأيكم: هل هذه المحاور قابلة للتطبيق في ثقافتنا وكيف؟
ـ هذا النهج بالبحث الفكري يؤدي إلى حلقات أدق, وأجدى وتلهج باتجاه كيفيات ومعايير جامعة للتطبيق والتي تؤدي بدورها إلى ما آن أوانه من إيقاف التناقل السرابي القاصر مابين الأجيال إلى من يليها لحمل عبء إبداع متطلبات التطوير الفكري والمعرفي لبناء مجتمعاتنا بمقومات حاضرها وضرورات حاجاتها وغايات مستقبلها في عالم اليوم القائم على الإبداع والاختراع وليست النقل والإتباع.
نصار الجرف

 

المزيد...
آخر الأخبار