يبدو الكثير من القلق بعيون أمهات بعض طلاب التعليم الأساسي و كثيرا ما نسمع دعاء ذوي الطالب ( يا رب نرجوك المدرسة العامة) و كأن في المدرسة المهنيّة جرح و إهانة لذلك الطالب النّاجح و ذويه . نعم للأسف الكثير من أولياء الأمور ينظرون إلى أنّ التعليم العام (الجامعي أو الأكاديميّ ) أهمّ من التعليم المهني و كأن التعليم المهني لا قيمة له، وأن من يلتحق به طالباً فاشلاً لم يتمكن من الحصول على درجات عالية، فلم يجد أمامه سبيلاً سوى الالتحاق بالتعليم المهني، ونتيجة لذلك يلجأ الكثير من الطلاب إلى الالتحاق بالتعليم الجامعي أو الأكاديم فنحصد في النهاية جيل كبير من الطلاب في الجامعات بعضهم تخرج والبعض الآخر متكدس في مقاعد الدراسة لم يتمكن من التخرج و الدخول في غمار العمل ومكاسب الحياة والمعظم يحول حظّه دون الدخول في غمار الحياة والإنتاجية للأسف .
في الحقيقة وللأسف لم يقتصر الأمر على نظرة أولياء الأمور السلبية للتعليم المهني فقط، بل نجد الأثر يمتدّ إلى مؤسسات الدولة التي يجب أن تراعي كلا الجانبين المهني والأكاديمي معًا. فلابد كما التعليم الأكاديمي مهمٌ وفعال كذلك التعليم المهني له دور بل كنزمعيشيّ مهم لكلا الوطن و أبنائه فهو كان ولم يزل حجر الأساس في بناء دولٍ عديدةٍ حالت الحرب العالمية دون تطورها في البداية كألمانيا وبريطانيا واليابان إلى أن سعى وأثبت التعليم المهني وأصحاب المهن دورهم في بناء تلك البلدان وأهميتها على الصعيدين المحلي والدولي.
الآن وبعد نهوضنا من خضم حربٍ مجنونةٍ أنهكتنا حدّ الاحتضار مازلنا وبلادنا نستغيث احتياجنا للفنيين والمهنيين لإعادة إثبات حضورنا وتحقيق تنميتنا واكتفاءنا واستقلالنا الاقتصادي .
يبدأ التعليم المهنيّ في المرحلة الثانوية ويستمر إلى ما بعد الثانوية ليتوّجه الطالب بعدها إلى الكليات والمعاهد المتخصّصة بإشراف نخبة من المدرّبين الأكاديميين والمهنيين لينهلوا من علوم المهن على اختلاف أنواعها .
التعليم المهني لايقل أهمية عن النظامي سواء بالإعداد التربوي أو المهاراتي والمعرفي سيّما لما له من دور هام في بناء شتّى المجالات التخصصية والصحية والفنية و الحرفية والتجارية والزراعية وانعكاسه في الحياة .
أمّا عن الأسباب التي تمنع الطالب من الإقدام على التعليم المهنيّ و تجاهل أهميته :
أهم سبب لعزوف الطلّاب عن الالتحاق بالتعليم المهنيّ هو الحرج من ثقافة الفصل بين أهميات التعليم المهني والأكاديمي والناتجة عن تدريج درجات القبول في كليهما ثم إهمال الدور الفعال للتعليم المهني في بناء مستقبلي الطلاب والبلد وذلك مدعوما بعدم ملاءمة البرامج التعليمية ومقتضيات الحياة واحتياجات السوق واضطرارية الدخل المالي المرجو .
ويزيد الطّين بلّة الوقوف بطموح الطالب المهنيّ والحد منه لعدم توفير فرص المتابعة والتحصيل العلمي كما في الدّول المتقدمة التي تمنح جامعاتها شهادات ومؤهلات عالية في المجالين الحرفي والتقني إضافة إلى الأكاديمي أيضا.
خطّة وتوصية إلى مؤسسات التعليم المهني سيّما لأجل إعادة بلادنا المتضررة في الحرب :
تشجيع الطلاب والناشئة على الالتحاق بالتعليم المهني والتقني من أجل سوق العمل فبأيديهم تبنى العديد من المجالات والمؤسسات والمنشئآت الهامة في البلد وذلك بصرف رواتب وإن كانت بسيطة للطلاب الملتحقين ضمن قانون الالتزام الوظيفي فتشريع بعض المؤهلات والقرارات التنفيذية تضمن لخريجي التعليم المهني وظائف مناسبة في سوق العمل، و كذلك خلق الطموح وتعزيزه لديهم من خلال رفع نسبة الخريجين الأوائل لطلاب التعليم الفني والمهني لدخول الجامعات، بدلاً من اقتصار الأمر على التحاق الخمسة الأوائل فقط من كل محافظة بالجامعات.
ولابدّ من التنسيق بين مؤسسات التعليم والتدريب المهني وبين شركات ومؤسسات القطاع الخاص لبتنّي وتدريب الطلاب المهنيين سواء من خلال عقد ورشات أو معسكرات صيفية للطلاب أو خلق مشاريع إنتاجية لإكسابهم الخبرات اللازمة والتعرف على متطلبات سوق العمل.
تنسيق كهذا لابدّ سيكون له دوره في تقليل دور البطالة وتحقيق ثقافة الاكتفاء الذاتي وذلك من خلال المشاريع الانتاجية مهما صغر حجمها ودورها .
يدٌ بيد و حجرٌ فوق حجر نعيد بناء و إعمار بلادنا .
د.رندة عبيد
المزيد...