مـــوت المــؤلف.. خــرافة نــقدية

كنت وما زلت من المؤمنين بأن النص الأدبي منذ أن يوقع عليه منتجه ويدفع به إلى النشر يغدو كياناً مستقلاً، يملك هويته وشخصيته المتميزة، كما يغدو ملكاً للمتلقي، يقرؤه كيف يشاء، شرط أن تستطيع هذه القراءة أن تدافع عن نفسها معرفياً وفنياً … وقراءة النص الأدبي تعني محاولة إنجازه، وإعادة إنتاجه، على طريقة المتلقي الخاصة، وحسب قدرته وفهمه وثقافته وخبرته وتجربته ….. ومحاولة الإنجاز هذه تعني إنتاج المعنى الشخصي (المغزى )، وتحصيل المتعة … باعتبار أن النص الأدبي الجيد نص غير منجز، ويتوق إلى الاكتمال دائماً…
لأن النص المنجز، أو الذي يدعي ذلك، نص عقيم (حسب تعبير النقاد العرب القدماء)، لعجزه عن التوالد والتكاثر الفني، عبر تأويلات القراء والنقاد ….. أما النص غير المنجز، صفة كل نص أدبي أصيل، فمنفتح على آفاق لانهائية من المعاني الممكنة، وقابل للتمعني بما يتساوق مع البنية المعرفية والثقافية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية … للمتلقي، لأنه حمّال أوجه، ويملك قدرة مدهشة على التعالي عن شروط الزمان والمكان، وإن بدا، بمكر منه، وكأنه منتم إلى زمان معين ومكان محدد، مما يغري كل زمان وكل مكان بادعائه.
ولكن، ورغم ما سبق، فإنني أزعم بأن استقلال النص الأدبي عن منتجه استقلال نسبي، ومنقوص، ومفترض ( في أحسن الحالات ) … وما زلت أجد صعوبة في قبول رأي من قال بموت المؤلف، وأعد ذلك من ضمن الخرافات الأدبية الكثيرة التي يروّجها بعض النقاد، ولاسيما البنيويون، وما بعد البنيويين، والتفكيكيون، والقائلون بما بعد الحداثة. والدليل على تهافت هذا الرأي أهمية توقيع منتج النص على نصه، إذ أن معرفة المتلقي لصاحب النص تتيح له التسرب عميقاً في عوالم النص، إلى الدرجة التي يستطيع معها قارئ مجتهد ومطلع أن يضع يده على المكبوت في النص، وعلى اللامكتوب فيه ، وعلى ما يراوغ بين سطوره من معان، لم يفصح النص عنها خوفاً أو مماطلة، أو لأسباب فنية محضة، أو لأن سلاسل اللغة وقوالب التعبير حالت دون ذلك الإفصاح المبين ؟!.
وللتذكير أقول : إن النص قد يكون صورة من مبدعه، وقد يكون النقيض، وقد يكون الوجه الآخر لمنتجه، وقد يكون الحلم والإرهاص والطموح والرؤيا كما في حالة النصوص الإبداعية الجيدة.
محمد راتب الحلاق

المزيد...
آخر الأخبار