.. سورية مهد الحضارات والتاريخ العريق ، وآثارها وأوابدها التاريخية الموغلة بالقدم والعراقة ، الكثيرة المنتشرة بأنحاء بلدنا الحبيب ، أكبر دليل على ذلك ، على الرغم من قيام المتآمرين على بلدنا بالسعي لطمس هذه المعالم ، ومدينة سلمية من المدن السورية التي تضم بجنباتها الكثير من الآثار التاريخية ، التي تحتاج لاهتمام ورعاية من الجهات المعنية ، وابرازها لقيمتها التاريخية والحضارية .
ونقش الاندرين ، بموقع الاندرين التاريخي بريف مدينة سلمية ، من الأوابد الأثرية والتاريخية الهامة بقيمتها وندرتها .
ولقد بذل الباحث والمؤلف جهدا كبيرا ، لإبراز نقش الاندرين وأهميته والتعريف عليه ، وإظهاره للعالم أجمع ، والحرص على بقائه بالوطن الغالي رغم كل الاغراءات المادية لها ، لأنه يعتبر هذا النقش ارثا تاريخيا وحضاريا ملك لوطننا الغالي سورية .
وجمعية العاديات بسلمية ، واهتماما منها بإظهار قيمة هذا النقش والكتاب الصادر عنه ومؤلفه ، أقامت ندوة فكرية ثقافية ، بعنوان ـ نقش الاندرين ، شارك بالحديث فيها عدد من الأدباء والمفكرين ومؤلف كتابه .
بداية ..اللواء محمد مفضي سيفو ، الممثل المقيم لمؤسسة الآغاخان ، مؤلف الكتاب ، حدثنا قائلا : نقش الاندرين ، فريد ومعجزة ، ولم يستطع أي من علماء الآثار والباحثين التاريخين ، من تحليل الكلمات والأحرف التي يتألف منها النقش ، ولقد وجد هذا النقش في منطقة الاندرين ، التي تعتبر من حواضر مدينة سلمية في القديم ، وعثر عليه أحد الباحثين عن الآثار .
ويضيف سيفو ، قائلا : هذا النقش مؤلف من أحرف وكلمات ، قد تكون مزيجا من عدة كتابات ، خاصة بأنه كانت أقوام الآرامية والسريانية والنبطية ، منتشرة بهذه المنطقة ، والنقاش الماهر استطاع أن ينقش عبارات قد تكون مزيجا من الكتابات التي كانت منتشرة بوقتها .
ـ غالب المير غالب ، رئيس مجلس ادارة جمعية عاديات سلمية ، تحدث قائلا :
عرفت الرموز والنقوش في منطقتنا منذ القدم ، والنقش أو الرمز هو تبيان لما يوجد من تجانس خفي بين الأشياء الظاهرة ودواخل النفوس ، والتي توحي بالمعنى المراد إخفاؤه .
ونقش الاندرين من الصنف الثاني كما يقول مؤلف الكتاب : بأنه من لحظة حصوله على هذا النقش ، وهو يبحث وينقب في الأماكن المختصة لفك رموز وإشارات ونقوش العالم القديم ، غير أن النتائج التي توصلوا لها أصحاب الاختصاص لم تكن مرضية ، ولم تزل الغموض الذي يكتنف هذا النقش الغريب ، ومن هنا تكمن أهميته .
ـ الباحث علي أمين ، تحدث بالندوة قائلا : يتضمن كتاب نقش الاندرين ، شرحا وافيا ،
حول تفسير الكتابة ، أو النقش الموجود على طبعة خاتم من العقيق وجدت في خرائب الاندرين ، ويتضمن مصوراً يبين موقع سلمية والاندرين ، والكاتب أشار إلى أن النقش احتاج لاستشارة عدة اشخاص مهتمين لقراءة رموزه التاريخية ، ويبين أهمية المنطقة في التاريخ القديم اقتصاديا وتجاريا أيضا ، وأحد قراءات النقش وهي للسيد الخولي تقول بأن العبارة الحقيقية الموجودة على النقش هي / هو الله لا إله إلا ه ، وحده لا شريك له ، محمد رسوله / ، أما قراءة الآخرين ـ كعفيف البهنسي ومطهر الأرياني ومحمد علي مادون ، وبشير زهدي والدكتور أحمد المفتي وهم مختصون بدراسة النقوش ، فكانت القراءة مختلفة ، ولكن للنقش دلالات فكرية وسياسية .
ـ الأديب محمد عزوز ، تحدث قائلاً : بذل الباحث والمؤلف جهدا كبير في مجال النقوش ، خلال كتابه ، والذي تناول فيه التحليل والدراسة للنقش المعقد ومؤلف من ثلاثة أسطر ، ولقد أكد المختصون بأن النقش ، يعود لفترة نهاية الجاهلية وبداية الاسلام ، والأهم هناك تساؤل ؟ لماذا وجد هذا النقش بمنطقة الاندرين بالذات !! والذي يزيد أهميته بأن بعض المختصين من دول اخرى ، دفعوا مبالغ مغرية مقابل الحصول عليه ، من دون أن يعرفوا عنه شيئا ، وعجز الآخرين عن قراءة شافية للنقش .
والكتاب يبحث بجهد من صاحبه في مسائل تاريخية ترتبط بالنقوش وأنواعها ، والتاريخ الاسماعيلي الفاطمي والقرمطي ، وتاريخ مدينة سلمية ، وفي الكتاب إضاءات مهمة من خلال التعريف على النقش ، لم يحوها كتاب آخر .
ـ الأديب مهتدي غالب ، تحدث قائلا : كانت الاندرين من أشهر مدن الشرق انتاجا للخمور ، بدليل تزيين معظم واجهات البيوت فيها برسومات شجرة الكرمة ، كما وتدل الشواهد على انها قديمة الإعمار لغنى محيطها بالأبنية المندثرة ، مثل القصور والحمامات المزينة بالنقوش والزخارف ، وبقايا أعمدة وتيجان وأقواس من الحجارة البازلتية وغيرها .
ويضيف مهتدي غالب قائلا : علاقتي بالكتاب ، قراءة أولى ، ثم تعلق شديد واستمتاع ، كتبت عنه صفحات عديدة تناقشه وتتحاور معه ، وتدرس جزئياته ، وكليته بدقة ، وبعض النقاط التي تحدث عنها كتاب النقش ، المكان والزمان / الجغرافية والتاريخ / وعلاقتهما بالفن والانسان ـ والهوية الثقافية لهم ـ والنقش من وجهة نظر الكاتب ، واكتشاف الاندرين وخرائبها تاريخيا وجغرافيا ، وتحدث الكتاب عن أربع اشارات ـ البنية من حيث المعنى من الشكل والاسلوب ـ ومن حيث المضمون والمعرفة .
وأكثر ما أسرني هو اسلوبه المتسلسل بحركة لغوية انسيابية ، تستطيع أن تسرقك ، لتأخذك إلى خزائن معرفية تسيطر عليك كي تبدأ بفتح أبوابها وإكتشافها واحدة تلو الأخرى ، والسر في ذلك الشغف المعرفي والبحثي لدى المؤلف الذي يأخذك معه بأسلوب سردي يجاور الرواية ، ويقاربها ، ويقدم لك المعلومة او الفكرة ككأس من ماء يسقي ظمأك بعد القراءة وبعد أن ترحل مع الكاتب في بوادي اللغة والمعرفة التاريخية والبحثية .
ـ الأديب حسين ديوب ، تحدث قائلا : تضمن كتاب نقش الاندرين ، رسائل عدة أهمها ـ رسالة يبرز فيها قيمة سلمية الجغرافية والتاريخية وموقعها السياحي ـ ورسالة فيها إضاءة على طلاب المعرفة والعلم ، الذين أموا سلمية من مئات السنين قبل الميلاد ، ورسالة تشير إلى أن سلمية كان فيها أطياف متعددة تسكنها حبا بالأمن والأمان والتعامل على مسافة واحدة من الجميع ، ورسالة تعبر عن أمانة السَّلمي بالاحتفاظ بالخاتم ، لصاحبه / مؤلف الكتاب / من قبل الصايغ الذي أضاعه لأول مرة ، ورسالة ، وهي رفض الكاتب بيع الخاتم عندما عٌرض عليه أموال مغرية ، لإيمانه بوطنه وإقراره أن هذا الأثر ليس ملكا فرديا ، بل هو ملك شعب ووطن .
ـ الاديب حسن نعـوس ، خلال ادارة الندوة ، تحدث قائلا : أهلا بكم بجمعية العاديات التي تصر ، وبالرغم من الكثير من المعوقات على الاستمرار في الاضاءة والحفاظ على الإرث العظيم لهذه المنطقة والمدينة ، ولقد استطاعت الجمعية بجهود الغيورين على تراث وثقافة هذه المدينة ، الصمود والاستمرار بالعمل الدؤوب والجاد ، وهذا اللقاء بندوة عن كتاب ونقش الاندرين ، صورة صادقة وواضحة على ما نسعى إليه في خطة عمل الجمعية ، من برامج تضيء ماضينا وماضي أجدادنا العظيم ، فلا تنساه الأجيال من بعدنا ، وضيفنا كاتب ومؤلف كتاب نقش الاندرين ، له الفضل الكبير من خلال كتابه وأعماله ، وهو بذلك يترك بين أيدينا أرثا ثقافيا ، يثير الجدل والنقاش ويحرض المهتمين على البحث والمعرفة .