كتب الشاعر اللبناني د. محد علي شمس الدين
مقدمة حول الشعر قرأها في إحدى أمسياته الأخيرة، يقول:
لكن قبل أن أقرأ القليل من قصائدي أريد أن أقول كلمات حول ماهية القصيدة من خلال أربع نقاط.
واحد….. مهما حاولنا أن نحدد ماهية الشعر والقصيدة. فإنه تبقى حقيقة القصيدة حقيقة شبحية والشعر سراً يسعى وراء سر. عندما أكتب قصيدة يسيطر علي المعنى وهو مراوغ جداً أتبعه بدأب.. وتلعب اللغة لعبتها، هذه اللعبة الواضحة بنسبة 20بالمئة والخفية بنسبة80 بالمئة كيف تنبثق الكلمات من أي عدم تولد وكيف تتزاحم لتنتظم على الصفحة، لاأدعي امتلاك معرفة تامة بذلك أو سيطرة تامة عليه. يقول فرويد ما زرت منطقة إلا وجدت شاعراً سبقني إليها..
يقصد خصوصاً اللاوعي. أهم ما في الأمر هو أننا يمكن أن نحب قصيدة من دون أن نفهمها فهماً تاماً.. تمس إحساسنا وحدوسنا الأولية التي تسبق العقل أو تتعداه. وقد ننحذب إلى بعض غموضها فالغموض جزء من الحياة قبل أن يكون في اللغة. يكفي أن تقطع القصيدة إليك نصف الطريق لكي يكون لها فعل وتبرير.
اثنان…. غالباً ما اتبع الايقاع. Le rythme
وليس الوزنle maitre. ، فالوزن جامد ومضجر في حين أن الايقاع أولي ويمت بصلة للميتافيزيك. كالشعر نفسه وهو للموسيقى والرسم ولكل شيء كل شيء له ايقاع….. أحياناً أكون حذراً من الايقاع الذي يغري بالغنائية المفرطة أو يقود للميلانكوليا. لكن المسالة تتعلق بما خلف الايقاع بشيء لا يفسر تماماً. لدي الإحساس بأن العالم ليس موزوناً باستمرار ليس هارمونياً بل هو كسر. إن الخلل بل الخطأ جزء لازم بل واجب من الوجود.
ثلاثة: في حال القناع الذي غالباً مااستعمله في الكتابة تبرز في تقنية القناع حالة صراعية فهناك الأنا المستورة وهناك القناع الظاهر. مثل قناع المتنبي في قصيدة ممالك عالية وقناع ديك الجن الحمصي في قصيدة عودة ديك الجن إلى الأرض وقناع فرانز مارك في قصيدة غزال في غابة في غزال… الصراع بين الأنا والقناع صراع قوي ينبغي أن تتغلب فيه أنا الشاعر وإلا لا لزوم للقناع من أساسه وهذه النرجسية ليست فرويدية مرضية إنها نرجسية إبداعية…
أربعة… وأخيراً لماذا يكتب الشاعر.. والجواب لعدة أسباب مادية عملية ومعنوية.. نذكر مثلاً حالة حيث الشعر مهنة كالصناعة والزراعة والطب. لكن الغالب هو المعنى: الجمال والحب والمجد والزمن والموت والخلود.
فقصيدة الشاعر أحياناً تشبه قبر الفرعون أو الهرم الذي يضمن له الخلود.
وهو أمر برغم حضوره التاريخي مدعاة أحياناً للضحك….. الخلود.. لكن أهم أسباب الكتابة ذلك الفيض الضروري للخيال الذي به يصبح الشاعر خالقاً أوالهاً بتصور ابن عربي في الفتوحات المكية، لأنه بالخيال كما يقول يوجد ما ليس موجوداً وهذا هو الخلق…
ثمة سببان أخيران للشعر: التكسب أو الارتزاق من خلال المديح والضجر… وان كتاب المديح يشكل جزء وافراً من ديوان الشعر العربي، قيل جاء الفرزدق إلى عمر بن عبد العزيز ليمدحه وصده الخليفة الزاهد، ذعر الفرزدق وقال له كيف سأطعم أولادي. فاعطاه وصرفه.. لكن المديح والتكسب بالشعر انقرض مع العصور الحديثة. الا في ما ندر بل لعله صار معيباً للشاعر المبدع الذي يعتقد بأنه يجاور الألوهة. ان يمدح.
ومع ذلك فثمة مؤخراً شاعر مبدع بالعامية نظم قصيدة بالفصحى الأقرب للسجع السقيم منها للشعر المستقيم في المديح. فضلاً عن ضعف القصيدة وهزالها المدقع. فالشاعر المبدع بالمحكية عاجز عن الشعر بالفصحى وهذه مسألة تناقش على حدة. وبمعزل عن الأسباب السياسية والأخلاقية لموقف هذا الشاعر برغم أهميتها. فإنه أسقط من يده رمزه الجميل.. هذا ولله في خلقه شؤون.
السبب الأخير لكتابة الشعر الذي غالباً ما لا يذكر على أهميته هو الضجر. فالضجر يحفز على التغيير والمغامرة. يقول أمل دنقل: ….. في البدء كنت رجلاً وامرأة وشجرة.. كنت أباً وابناً وروحاً قدساً.. كنت الصباح والمسا… والحلقة الثابتة المدورة… وكان عرشي حجراً على ضفاف النهر، وكانت الشياه ترعى، والحياة تنبض كالطاحونة البعيدة، حينما رأيت أن كل ما أراه… لا ينقذ القلب من الملل.