في أيام الصيف والربيع على وجه الخصوص تتزين سماء حماة سيما في الفترة الواقعة بين العصر و المغرب بأسراب الحمام بألوانها الزاهية وهي ترفرف بأجنحتها الملونة ثم تعود لتحط على سطح بيت صاحبها لتستريح بضع دقائق ثم ما تلبث أن تطير ثانية .
وحيث إن موضوع هذه الذاكرة متوسع قليلا لذا ارتأيت أن أجعله على جزأين مبتدئا بالجزء الأول .
لقد ذكر الكثير من الشعراء منذ العصر الجاهلي و حتى الآن الحمام في شعرهم ذلك أن تربية الحمام قديمة قدم الخلق سيما وأن الصور المرسومة أو المنحوتة لدى الفراعنة والبابليين تظهر هذه الطيور منقوشة على الآثار.
لقد كان قدماء المصريين يربون الحمام في أبراج من الطين والفخار (وقد شاهدتها في القرية الفرعونية بمصر والتي هي صورة مصغرة عن حياة الفراعنة منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام و التي مازالت مستعملة حتى الآن في القرى والمزارع) .
إن تربية الحمام بواقعها الحالي هي قديمة فالتاريخ يذكر أن الكثير من الملوك كان لهم هواية بتربية الحمام ما يعني أن هذه التربية كانت مقتصرة عليهم. أما في زماننا اليوم فإننا نرى الكثير من كافة فئات الناس وكافة الأعمار يقومون بتربية الحمام لدرجة وجود بعض النساء اللواتي يقمن بتربية الحمام . منوهاً إلى أن لقب الحميماتية هو الغالب على أصحاب هذه الهواية
لقد تعاظمت في حماة تربية الحمام كما نشهدها بواقعها الحالي اليوم والتي كانت منذ بداية القرن التاسع عشر . إن الأشخاص الذين يقومون بتربية الحمام هم نوعان :
النوع الأول : وهم الذين يقومون بتربية الحمام من اجل التمتع بمنظرها والعمل على تكاثرها
النوع الثاني : وهم الأشخاص الذين يقومون بتربية الحمام من أجل التمتع بمنظرها و العمل على تكاثرها من جهة و لتطييرها من جهة أخرى وهذا ما يسمى ( كش الحمام )
لم تعد تربية الحمام مجرد هواية كما في السابق و التي كانت مكلفة لأصحابها من حيث تقديم الطعام والدواء لها إضافة إلى ما يموت منها .
أما اليوم فإن تربية الحمام أصبحت مهنة و تجارة تدر ربحا على صاحبها سيما أن مربي الحمام و الهواة أصبحوا كثيرين . فبعض الطيور وصل سعر طير الحمام الواحد إلى ثلاثة ملايين ليرة وربما أكثر ولم يعد بيع و شراء الحمام مقتصرا على سوق الخميس أو سوق الجمعة أو في مقاهي الحمام سابقا . بل أصبح هناك محال من كافة المستويات لبيع الحمام أو بيع الحمام مع عدة أنواع من الطيور والعصافير والحيوانات كالكلاب و الهررة والأرانب الأليفة
تعتبر مدينة حماة هي المدينة الثانية في القطر بعد مدينة حلب بعدد مربي الحمام و عدد طيور الحمام سيما وأننا نسمع بأن بعض مربي الحمام لديهم أكثر من مئتي طائر من كافة الأجناس و الأنواع .
تحتاج تربية الحمام منذ تفقيسها وخروج الفراخ من البيض إلى عناية ودراية ومراقبة خوفا من الأمراض المعدية أو هجوم الطيور الكواسر عليها ( و على الأخص أثناء طيرانها ) كذلك هجوم الهررة و الجرذان عليها أيضا وهي في مساكنها كما أن طيور الحمام تحتاج إلى تنظيف ريشها من الحشرات وكذلك مكان سكنها و الذي يسمى بلغة الحميماتية ( الحبيس ) . كما أن طعامها يجب أن يكون نظيفا خاليا من الشوائب . علما أن طعام الحمام هو خليط من الذرة الصفراء والذرة البيضاء والقمح و الجلبان . هذا ويتم إطعام الحمام مرتين في اليوم صباحا و مساء حتى أن إطعام الحمام مساء يقول له الحميماتية ( بدي عشي الحمامات ) , أما الفراخ فيتم إطعامها نفس الطعام و لكنه مجروش
إن أنواع الحمام يصل إلى ستين نوعا وربما أكثر لاسيما عندما يتم تهجين الحمام فيما بينها حيث ينتج عنها سلالات جديدة . هذا وإن للحمام في الوقت الحالي نوعين : نوع معروف منذ القديم و نوع جديد سواء تم إدخاله من الخارج أم تم تكاثره أو بواسطة التهجين .
إن الأنواع المعروفة قديما هي كثيرة ومازال المربون يقومون بتربيتها . و إنني أذكر منها ما يلي :
الشخشرلي والقرباطي والأبرش والكازغندي والبايملي والجكلي والمسود والشرابي والريحاني والقرنفلي والشمندروزي والقرقاطي واليهودي والساعي والفاضح و الماوردي والقزرباش والبربريسي والزاجل والأشعل والقلاب والبرملي والأخضر والعرجاني والشقلبوظي وغيرها .
أما الأنواع الحديثة التي تم تربيتها منذ ثمانينات القرن الماضي فإنني أذكر منها الأنواع التالية : البولوني والسكسوني و الملك والبلجيكي والواطواط و النفاخ والسيلفر والهنغاري والباكستاني و غيرها .
إن معظم أنواع الحمام لها أربعة أنواع من الألوان و القليل منها له لون واحد مثل (الأسود عبد و هذا النوع غير قابل للتهجين رغم المحاولات التي بذلت )
تبدأ حضانة البيض الطبيعية بعد وضع البيضة الثانية ، حتى يتم فقس البيضتين حيث تفقس البيضة الأولى بعد حوالى 18 يوماً من وضعها والبيضة الثانية بعد حوالى 17 يوما ويتناوب الذكر والأنثى في حضانة البيض ، حيث يتولى الذكر المهمة من حوالى الساعة العاشرة صباحاً حتى الرابعة ثم تتولى الأنثى المهمة طوال ساعات الليل حتى النهار وتكون مهمة الأبوين تنظيف الحبيس من قشر البيض وتغذية الفراخ على لبن الحوصلة وتستمر التغذية على لبن الحمام مدة ثلاثة أو أربعة أيام ثم يتم إضافة الحبوب في نهاية الأسبوع الأول بشكل تدريجي و تستمر مدة ما بين الثلاثة أو الأربعة أسابيع ثم يتم فصل الفراخ ( الزغاليل ) عن الآباء بعد ذلك ، حيث يتم بيعها أو نقلها إلى مكان آخر للتدريب
إن لون البيض يكون في بداية الحضانة بلون بيج فاتح وبعد مرور أسبوع يصبح مائلا إلى البياض الناصع ثم أبيض لامع ، يتغير بعد أسبوع من الحضانة إلى الرمادي المائل إلى الأزرق حيث يعتبر دليلا على تخصيب البيض .
يبدأ فرخ الحمام ( الزغلول ) في نقر قشرة البيضة بحوالى 24 ساعة من نهاية مدة حضن البيض مسببا شقا في الثلث العلوي من البيضة بشكل يسمح له بالخروج ثم تفقس البيضتان معا صباحا أو بعد الظهر ليتولى الأبوان مهمتهما كما أسلفنا الذكر آنفا وأحيانا يساعد الحميماتي الزغلول بالخروج من البيضة عندما يكون قشرها سميكاً وذلك بنقر القشرة بيده.
هذا هو الجزء الأول من هذا الموضوع و إلى اللقاء مع الجزء الثاني.
المحامي معتز البرازي
المزيد...