آخر ما تركته البراري . . فصل من السيرة

يكتب الشاعر محمد علي شمس الدين مايشبه سيرة ذاتية فيقول:
سيكون فراق جميل. تحزمين امتعتك يا…. انانا…. وتذهبين. وأولادنا الذين انحدروا منا سيمشون على حافة المراكب ويصعدون على سلالم الفضاء. هناك دائما طرقات مفتوحة وسفن.. غرقى وخلجان رايات ودماء تطفو على المياه. وما حصلنا عليه بعد الدم والأناشيد يطفو كبقعة زرقاء على سطح خليج غامض. في الليالي القمرية الزرقاء تحصل هذه الاشياء.
الأيام يا…. انانا… طويلة ومحشوة بالوعود… لكن من البداية كانت عندي ريبة خفيفة في كل ما أرى.
في الدم على النصل والطعنة … القطار والمقهى وحتى الصحراء والمطر. فإن النائم لا يعتريه الشك في صحة ما يرى فإن طلعت الشمس وأصبح الصباح فإنه يموت إذ يصحو…. كل شيء كان يدور في داخل بخار كثيف.. البخور الذي كان يصعد من المجمرة فتح لي مسالك عديدة في الولادات والأعراس الصبابات والغرابة وجدوى التكرار .. لكن ما سربه إلي ذاك الأعمى وتركه في صدري باكراً من الشك…. أتحسسه بين حين وآخر. هذا قلبي……
العالم أعمى
فإذا ما طلع الفجر
وأبصر من يسعى في النور خطاه إلى مأواه
فاعلم.. هذا قلبي
والعالم أبكم
فإذا ما نطق الحجر الغافي تحت دثار الليل
وأجهش بالكلمات فم الوادي
وتكلم من لا يتكلم
فاعلم…. هذا قلبي
والعالم طلسم
لا تسمع في قاع البئر سوى أنات الغرقى
فإذا ما فار التنور وفارت في الأرض جرار الماء
وصبت فوق جرار الدم
فتوضا
واذا شئت تيمم
واعلم………. هذا قلبي
ما يملى علي يا… انانا…. مشوش كنقش بابلي. الكلمات ممحوة الأطراف ويتخلل حروفها نقاط حمراء… هل هو الدم…….. غبار يتراكم فوق الصفحات وعلى النواويس. وكان علي كي أقرأ هذه الأوراق والحجارة أن أتزود بالجلد وأترك عيني تسرح على جلود الأساطير. . … كان كثيراً على الصبي المراهق هذا الحمل الثقيل.. أكنت حقا في ذات يوم وثنياً في حياة غابرة. ثم حملوني على محفة و نقلتني السلالة جيلا بعد جيل إلى هذه البقعة الجنوبية من الأرض حيث يزدهر الله.والملائكة تساورني العربات والخيول وتطلع. شقائق النعمان.
وفي المعابد نصف المضاءة. تتلع النساء صدورهن الجميلة وهي ترتجف وسط البخور والتلاوات.
تتمايل الأجساد وترتجف على وقع صرخة… با..ba… كانت الصرخة قوية. الطبول تقرع.
أين الحب وكيف أمتدح هذا الطيش المبكر…. فالجسد أطيب الثمرات يرتجف بين قوسين. والصرخات المتباعدة هي آخر ما تركته لي البراري من الأناشيد.

المزيد...
آخر الأخبار