قراءة أدبية- رواية : مقـــولات وأشعــار.. فـــي (فوضــى الحـــواس)

(فوضى الحواس) رواية للكاتبة الشهيرة «أحلام مستغانمي» وهي جزء من ثلاثية رواية «ذاكرة الجسد» و»عابر سبيل» وسواء اتفقنا أو اختلفنا في الرأي في بعض ماجاءت به الرواية فإنها رواية ممتازة لأسلوبها نكهة خاصة، الرواية باختصار تدور في زمن يعج بالأحداث المأساوية فقد دخلت الاصولية الإسلامية في صراع مع الحكومة الجزائرية ونشطت الاغتيالات وكثر الموت بحيث أصبحت الحياة لاتطاق وخاصة في «قسنطينة» البلد الذي تدور به أحداث الرواية، بطلة الرواية (حياة) العاقر تزوجت من ضابط كبير في الجيش الجزائري زواجاً تقليدياً على امرأة أخرى دونما حب، كان لحياة أم بسيطة فقدت زوجها الثائر على فرنسا وبقي لديها «حياة» و»ناصر» الذي تحول فيما بعد إلى «الأصولية» وسافر بعدها إلى ألمانيا. أحبت «حياة» وهي كاتبة الرسام «خالد بن طوبال» وجرى بينهما عشق إلى درجة التوحد الجسدي. سافر الرسام إلى خارج الجزائر وبقي صديقه الصحفي «عبد الحق» الذي اغتيل أيضاً بسبب كتاباته الصحفية. تصور الرواية اغتيال «محمد بوضياف» الرئيس الجزائري. كما تصور بمرارة اغتيال السائق لزوجها وهي في نزهة قصيرة إلى جسور «قسنطينة»، ماأثار انتباهي وأنا أقرأ الرواية للمرة الثانية، الغنى الثقافي للكاتبة «أحلام مستغانمي» ولأسلوبها الرصين حقاً، وهاأنذا أعرض بعض المقولات والأشعار التي تدلل على ذلك الثراء الثقافي للكاتبة وهذه بعضها فلا تستطيع هنا عرضها جميعاً.
قلت له متى نلتقي؟ كان يعد حقيبة حزن على عجل فأجابني على طريقته ببيت (لمحمود درويش)
«نلتقي بعد قليل
بعد عام.. بعد عامين وجيل»
في النهاية لم يكن لي من شيء أحتمي في ذلك الصباح سوى مقولة للشاعر الإرلندي «شيماس هيني» «امشي في الهواء مخالفاً لما تعتقده صحيحاً» وهكذا رحت أمشي نحو قدري عكس المنطق!
أتذكر وأنا أرى الناس يسرعون في كل الاتجاهات وكأنهم يخافون الجسور أو كأنهم يخافون ليل «قسنطينة» أتذكر قصيدة (والت واتيمان) على (جسر بروكلين)
المد الصاعد تحتي وأراك وجهاً لوجه
غيوم من الغرب
والشمس ماتزال هناك لنصف ساعة أخرى
وأراك وجهاً لوجه
حشود من الرجال ومن النساء يتنكرون في ثيابك العادية
ماأغربكم في عيني
ذلك أنك لا يمكن أن لا تذكر كل مرة تلك المقولة (لاوسكار وايلد): (ثمة مصيبتان في الحياة الأولى أن لا تحصل على ماتريده والثانية أن تحصل عليه!).
مذهل عالم الأيدي في عريه الفاضح حتى أن النحات (رودان) كان يلخص هوسه بها قائلاً: هناك ايدٍ تصلي وأيد تلعن وأيدٍ تنشر العطر وأيدٍ تبرد القليل وأيدٍ للحب).
لم أفهم ما يعنيه هذا الرجل ولم أحاول التعمق في الفهم اكتفيت بالوقوف متجهة نحو المكتبة التي كان بي فضول لاكتشافها مستفيدة من جهل هذا الرجل لتلك المقولة الجميلة (لرولان بارت): (على المرء أن يخفي عن الآخرين صيدلية بيته ومكتبه).
وأذكر أن (ديدرو) الذي وضع سلماً شبه أخلاقي للحواس وصف النظر بالأكثر سطحية والسمع بالحاسة الأكثر غروراً والمذاق بالأكثر تطيراً واللمس بالأكثر عمقاً وعندما وصل إلى حاسة الشم جعلها حاسة الرغبة أي حاسة لا يمكن تصنيفها لأنها حاسة يحكمها اللاشعور وليس المنطق).
سؤالي: ماالذي أوصل هذا الرجل إلى (هنري ميشو) شاء الأسئلة التي تفضي إلى أسئلة أخرى وكل حياته كانت مبنية على الانتهاكات الدائمة لوجاهة الحياة الظاهرية. فقد ظل يرفض الجوائز الأدبية ويرفض أن تؤخذ له صور فوتوغرافية ويرفض أن تصدر كتبه من طبعات شعبية بل ظل يتمنى لو اصدر من كل كتاب له خمس نسخ فقط: يقول (ميشو).
(في ردهة روحك ظناً منك أنك تجعل الآخرين خداماً لك تكون على الأرجح أنت من يتحول بالتدريج خادماً. خادم من؟ خادم ماذا؟ إذن ابحث… ابحث) لا تبحث ستضع ذكاءك في خدمة الجنون وفي غياب الشمس تعلم أن تنضج في الجليد) (إذا كنت الإنسان المقدم على فشل فلا تشغل كيفما كان. أما إذا كنت مقدماً على الموت فلا تهتم…!) في استطاعتك أن تكون مطمئناً لا يزال فيك بعض نقاء. في حياة واحدة لم تستطع أن تدنس كل شيء) لا تتجعل أخطاءك لا تستخف بها وتعمل على إصلاحها. إذن ما الذي تضعه مكانها؟) (لم البث أن انتبهت أنني لم أكن النمل فحسب بل كنت طريقه) (النوم أكثر خيباتك ثباتاً) (لا اسم لي اسمي تبذير للأسماء).
كنت مشغولة عن نساء الحمام حين دخلته بمقولة (لساشا غيتري): (ليس هناك من نساء غير شريفات وأخريات شريفات ثمة فقط نساء غير شريفات وأخريات قبيحات!).
اتذكر تلك المقولة الساخرة (ثمة نوعان من الأغبياء أولئك الذين يشكون في كل شيء واولئك الذين لا يشكون بشيء).
مقولة (لبودلير) منعتني من النوم (كل إنسان جدير بهذا الاسم تجثم في صدره أفعى صفراء تقول: لا كلما قال أريد.
أذكر مقولة لروائي سئل لماذا تكتب؟ فأجاب ساخراً (لأن أبطالي في حاجة إلي لأنهم لا يملكون غيري على وجه الأرض).
اذكر أنني قرأت بحثاً نفسياً يقول: إن وقوعنا في الحب لا علاقة له بمن نحب وإنما لتصادف مروره في حياتنا بفترة نكون فيها دون مناعة عاطفية فنلتقط حباً كما نلتقط رشحاً بين فصلين واستنتجت يومها أن الحب عارض مرضي. ثم قرأت مقالاً عن (كيمياء الحب) جاء فيه أننا نرتكب أكبر حماقاتنا في الصيف لأن الشمس تغير مزاجنا فتلعب بجهازنا العصبي وتحولنا أناساً غريبين بامكانهم فعل أي شيء وقلت: الحب إذن حالة موسمية.
عندما كتب (غوته) آلام فارتر يصور فيها قصة حب بائس أصبح ألوف الشباب في أوروبا يرتدون ثياباً مثل بطله (فارتر) ويتصرفون مثله في المجالس ويحملون (ديوان هوميروس) وكثير منهم أقدم على الانتحار.
اتعرفين قصة (بيكاسو) عندما رسم لوحته الشهيرة (غرينكا) مصوراً فيها خراب تلك المدينة على أيدي الفاشيين فجاء منهم من يسأله: هل أنت الذي فعلت هذا؟ فرد عليه بجوابه الشهير: بل أنتم.
(اندريه جيد) قال: (من السهل أن تعرف كيف تتحرر ولكن من الصعب أن تكون حراً).
قال لها: أنا لا أملك شيئاً ياسيدتي كل ثروتي في بيت للإمام الشافعي.
غني بلا مال عن الناس كلهم وليس الغنى إلا عن الشيء لابه.
في زمن الحروب غير المعلنة تلك العبثية الموجعة التي اختصرها خليل حاوي في ذلك البيت الجميل.
كل ما أعرفه أني أموت
مضغة تافهة في جوف حوت!
الكلمات الأخيرة التي لفظها (تشي غيفارا) وهو يرى جلاده قد صوب إليه مسدسه: أطلق النار أيها الجبان… إنك تقتل إنساناً
وأستعيد تلك القصيدة التي كتبها الصحفي (عبد الحق) في رثاء زميله (الطاهر حبوط)
مذهول به التراب
خرج ذلك الصباح
كي يشتري ورقاً وجريدة
لن يدري أحد ماذا كان سيكتب
لحظة ذهب به الحبر إلى مثواه الأخير
كان في حوزته رؤوس اقلام
وفي رأسه رصاصة!
اخيراً هذه اشعار ومقاطع مختارة وهي لا تغني عن قراءة الرواية فيها الكثير الكثير من ذلك الغنى الثقافي الذي يميز (أحلام مستغانمي).

 د. محمد الجمّال

المزيد...
آخر الأخبار