تشكل اللغة الإشكالية الأهم في حال إنتاج أي عمل درامي، حيث بدأت الإشكالية في الماضي على خشبة المسرح، وبما أن الدراما التلفزيونية تعد الطفل المدلل المولود من رحم المسرح فكان أن انتقلت هذه الإشكالية إلى الإنتاج التلفزيوني، وبعد مدة جاء الحسم-بالعموم-لتفضيل اللغة العربية الفصحى للأعمال التاريخية، وانسحبت اللغة العامية بلهجاتها المتعددة على الأعمال الاجتماعية المعاصرة والكوميدية، وعند نقطة تحول معينة عاد هذا الحوار بين تفضيل الفصحى أو العامية، عندما عرضت إحدى القنوات الفضائية حواراً يطال الموضوع الذي نحن بصدده، وضربت مثلاً واضحاً هاما ًوهو مسلسل «ذاكرة الجسد» الذي عرض منذ سنوات، والمسلسل من إخراج نجدة أنزور وسيناريو ريم حنا، مأخوذ عن رواية (ذاكرة الجسد)للكاتبة أحلام مستغانمي، وهو من الأعمال التي سجلت نقاطاً إيجابية في سجل أعمال نجدة أنزور، فالرواية تتحدث عن حقبة زمنية هامة من تاريخ الجزائر، من جوانب سياسية وتاريخية واجتماعية، فلم يكن وارداً استعمال لهجة محلية جزائرية لأنه وبهذه الطريقة سيعزف الكثير من المشاهدين عن متابعة المسلسل، بسبب صعوبة فهم اللهجة الجزائرية ولو قدمت الأحداث المذكورة والخاصة بالجزائر، بلهجة محلية غير جزائرية كاللهجة الشامية مثلاً، لكانت نقطة سلبية واضحة تؤخذ على العمل، لعدم تقبل خصوصية الأحداث الجزائرية بلهجة لا تخصها، هنا وبالفعل تبرز قدرة ريم حنا في خلق سيناريو ساعد كثيراً في تقبل الأغلبية للمسلسل وبالتالي حقق تسويقاً درامياً عالي المستوى، حيث خلقت توازناً ذكياً بين النص الروائي والسيناريو وبهذه الطريقة كسب المسلسل المشاهد الذي سبق له وقرأ الرواية، والآخر الذي سمع عنها ولم يقرأ، إضافة إلى السلاسة في عرض الأحداث من خلال تعامل لغوي دقيق استطاع إيجاد تضارب محبب بين لغة الرواية والحوار المصنوع ، كما استطاعت كاتبة السيناريو تطعيم الحوار بمفردات جزائرية محببة ولطيفة، تدل على المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها الشخصية المشار إليها من خلال أحداث العمل، ليعود السؤال الأساسي إلى المواجهة، وهو: أيهما أفضل أو ربما أصح استعمال اللهجات المحلية أو اللغة الفصحى في الأعمال الدرامية التلفزيونية؟ ربما يكون حسم الحوار أو الإجابة بنعم غير واضح ، وربما يكون متسرعاً، لكن للفصحى جماليتها، وللتسويق أهميته وطرق تقبله، فهل من المعقول مشاهدة مشهد واحد مثل مسلسل باب الحارة مثلاً باللغة الفصحى؟ فكما تساعد اللهجة المحلية على متابعة المسلسل محلياً وتزيد من أعداد المشاهدين، ممكن أن تقف عائقاً أمام تسويقه والدليل على ذلك مسلسل (ضيعة ضايعة) الذي شكل نسبة مشاهدة عالية، لكن لهجته المغرقة في المحلية كانت سبباً في قلة تسويقه مع أن فريق العمل عمل على ترجمة بعض المصطلحات إلا أن هذه المحاولة لم تف بالغرض كما هو مطلوب، كما أن بعض الأعمال البدوية مع كل أهميتها، ومع كل تميز بعضها من خلال القصة والأداء والسيناريو والإخراج، وقفت اللهجة فيها عائقاً-أيضاً-في تسويق عريض يطلبه العاملون في هذا الحقل، خاصة بعد أن تحولت الدراما لصناعة جد مهمة، لهذا كان التساؤل بين أفضلية الفصحى أو العامية هاماً ومطروحاً على الدوام.
مع كل ذلك وبعد كل ما طرحناه، دائماً نتمنى الفوز المنظور للدراما السورية والعاملين في هذا المجال، لأننا نعي إلى حد واضح مقدار الجهد المبذول في الإنتاج الدرامي، والصعوبات التي تعترض العاملين في هذا المجال.
شريف اليازجي