يتميز كل مجتمع بعادات منها الحسن و منها القبيح و كل مجتمع يتوافق أبناؤه مع تلك العادات و السلوكيات السائدة فيه .
في هذه الذاكرة سأتكلم عن عادات حسنة بعضها كان سائدا منذ أكثر من خمسة قرون و قد بقي قسم منها متبعاً في مجتمعاتنا و بعضها قد انقرض بفعل عامل الزمن لسبب أو لآخر لذا قمت بتقسيم هذه الذاكرة إلى قسمين القسم الأول وهي العادات التي كانت سائدة منذ أكثر من خمسة قرون . و القسم الثاني هي العادات التي سادت منذ حوالى القرن .
أولا :العادات التي كانت سائدة منذ أكثر من خمسة قرون هي :
كأس الماء مع القهوة: إننا نلحظ حاليا أنه يتم تقديم كأس الماء مع صينية القهوة إلى الضيوف إلا أنه في السابق كان لذلك مدلول خاص و هو عدم حصول إحراج لرب المنزل أو للضيف عندما يكون الضيف جائعاً . فإن الضيف عندما يكون شبعا فإنه يمد يده ويتناول فنجان القهوة أولاً أما إذا كان جائعاً فإنه يتناول كأس الماء أولاً عندها رب المنزل يفهم أن الضيف جائع حيث يقوم بإعداد الطعام له وبذلك لا يقع أي حرج لدى الضيف أو المضيف
مطرقة الباب : و هي التي نسميها دقاقة حيث إننا نلحظ على أبوب البيوت القديمة وجود الدقاقة المعدنية و غالبا ما تكون بشكل كف قابض على كرة و لاستعمالها يقوم الزائر بقرعها على قطعة معدنية مثبتة على الباب .
في السابق كان يوجد على باب المنزل مطرقتان . واحدة كبيرة و واحدة صغيرة تحت المطرقة الكبيرة ببضع سنتميترات . فإذا كان الطارق رجلا يقوم بقرع المطرقة الكبيرة ، عندئذ يعرف أهل الدار أن الطارق هو رجل ، عندئذ يأتي رجل و يفتح له الباب ليستقبل ضيفه . أما إذا كان الطارق امرأة فإنها تقوم بقرع المطرقة الصغيرة ، عندئذ يعرف أهل الدار أن الطارق هو امرأة ، عندئذ تأتي امرأة و تفتح باب المنزل لتستقبل ضيفتها .
خلع الحذاء خارج المنزل : عندما يكون المنزل مفروشا بالسجاد و على الأخص أيام الشتاء ، فإن الضيف يخلع حذاءه خارج المنزل . و هذه العادة مازالت متبعة حتى الآن في معظم المنازل .
الوردة الصفراء أو الورقة الصفراء : كانت هذه الوردة أو الورقة توضع على باب المنزل ، عندما يكون في المنزل مريض من أجل عدم إحداث ضجيج خارج المنزل يؤثر على صحة المريض .
الوردة الحمراء أو الورقة الحمراء : و توضع هذه الوردة أو الورقة عندما يكون في البيت شابة وصلت لسن الزواج ، حيث يمكن حضور النسوة لرؤيتها و بالتالي لخطبتها إذا راقت لهم .
كذلك فإن وضع تلك الوردة أو الورقة على الباب من أجل تجنب المارة التفوه بكلمات بذيئة بسبب وجود صبايا في المنزل
الأذان : قبل اختراع الكهرباء و بالتالي اختراع أجهزة و مكبرات الصوت ووضعها على المآذن ، فقد كان المؤذنون يصعدون إلى المئذنة من أجل رفع الأذان و أن جميع المؤذنين كانوا من المكفوفين لأن المآذن كانت تشرف على فناء البيوت المجاورة حيث تتواجد النسوة .
سخاء الأغنياء على الفقراء : إننا نلحظ حاليا أن بعض الأغنياء و الميسورين يقومون بالتبرع إلى المؤسسات الخيرية الاجتماعية و أن البعض منهم يتصدق على الفقراء المحتاجين . إلا أنه في القديم كانت فئة من الأغنياء تحرص على تقديم الصدقات دون التسبب بأي إحراج للفقراء ، فكانت تذهب للبقالة و بائعي الخضار و اللحوم و تطلب دفتر الدين ومن ثم تطلب حذف الديون لتقوم بتسديدها دون ذكر أسمائها ، و كان الفقراء دوما يجدون دينهم قد حذف دون أن يعلموا من قام بذلك ، فكانوا لا يشعرون بمنة الأغنياء
الحناء : هذه العادة تعود لأكثر من خمسة آلاف عام و قد استخدمتها النساء في القديم لتعزيز الخصوبة من خلال تطبيق عجينة الحناء على الأيدي و الأرجل كما استخدمها القدماء في الطب و في صبغ ألوان فراء الحيوانات المختلفة . و كانت الحناء تستخدم في حفلات الزفاف المختلفة حيث كانت تستخدم عجينة الحناء في الرسم على أيدي و أرجل العروس قبل أن تزف لعريسها . إلا أنه و بعد انتشار صالونات التجميل فقد تراجع كثيرا استعمال الحناء بالشكل التقليدي
وضع الطربوش : كان وضع الطربوش على الرأس إلزامي منذ أكثر من خمسة قرون و كان الجميع ملزمين بوضع الطربوش على الرأس اعتبار من سن السابعة . إلا أن هذه العادة قد تراجعت منذ أربعينات القرن الماضي حتى تلاشت و لم نعد نرى في حماة أي شخص يضع طربوشا و أن آخر شخص في حماة كان يضع الطربوش على رأسه هو الخياط الحاج فائز البارودي الذي توفي منذ أكثر من خمسة عشر عاما
ثانيا : العادات التي كانت سائدة منذ أكثر من قرن
احترام الشيوخ و السيدات : بمجرد أن يصعد شيخ أو امرأة إلى الباص فإنه يجد لنفسه مكاناً للجلوس حتى ولو كان الباص مزدحما حيث كان ينهض أحد الشباب مفسحا المجال للشيخ أو للمرأة . أما في الواقع الحالي و بعد أن أصبحت الميكرويات هي وسيلة النقل الأكثر شيوعاً فإن هذه العادة لم يعد لها وجود . لأنه لا مكان للوقوف بالميكرو
عدم رفع صوت المذياع أو التلفاز : في السابق و منذ أكثر من نصف قرن و بمجرد أن يتوفى أحد ساكني الحي . فإن معظم ساكني الحي لا يقومون بتشغيل أجهزة التلفزيون و المذياع مراعاة لشعور ذوي المتوفي . و إن حدث ذلك فإنه يكون بصوت منخفض بالكاد يتم سماعه ، و يكون عادة مقتصرا على نشرات الأخبار .
كروت المعايدة : في مناسبات الأعياد كان يتم تبادل كروت المعايدة و التهنئة حتى في البلد الواحد حيث يتم إرسالها بواسطة البريد . وأذكر أن قيمة الطابع البريدي لكرت المعايدة إذا كان بمغلف مفتوح هو نصف فرنك ، أما إذا كان كرت المعايدة ضمن ظرف مغلق فإن قيمة الطابع البريدي هو فرنكان و نصف هذه العادة قد تلاشت منذ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي .
الزيارات المفاجئة : إننا نلحظ حاليا أن الزيارات سواء بين الأهل أو الأصدقاء تتم من خلال اتصال مسبق يحدد فيه موعد الزيارة أما في السابق لا سيما قبل وجود الخدمة الهاتفية فإن الزيارات تكون مفاجئة حتى الزيارات التي تتطلب نوما من الضيف لدى المضيف و ما يستتبع ذلك من تقديم الطعام و الشراب . و أحيانا تمتد الزيارة أياماً قلت أو كثرت .
استعارة أسطوانات الغناء : إننا حاليا نلحظ وجود وسائل كثيرة و متنوعة لسماع الأغاني و الأحاديث و غيرها سواء آلات التسجيل أو الجوالات بمختلف أنواعها و أشكالها و هي أكثر من أن تعد وتحصى . أما في القرن التاسع عشر و حتى منتصف القرن العشرين كان الحاكي هو الوسيلة الوحيدة لسماع الأغاني والموسيقا من خلال وضع الأسطوانات على الحاكي في البداية كان الحاكي يتم تشغيله يدويا و فيما بعد أصبح تشغيله بواسطة الكهرباء و الأسطوانة باللغة العامية تدعى ( كوانة )
تلك الأسطوانات كانت لمطربين ومطربات من الزمن الجميل كصالح عبد الحي و أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وشافية أحمد وهي مطربة كفيفة. لذا كان مقتنو جهاز الحاكي يتبادلون فيما بينهم تلك الأسطوانات لسماع الأغاني
لا أحد يطلع بلا غطا يا جيران : عندما يضطر أحد الجوار للصعود إلى سطح منزله و الذي كان يشرف على فناء المنازل المجاورة . أو عندما يأتي عمال الكهرباء و يضطرون للصعود على أعمدة الكهرباء لإصلاحها و بالطبع فإن تلك الأعمدة تشرف رؤوسها على فناء المنازل المجاورة فإن الشخص الذي كان يود الصعود ، فإنه و قبل صعوده بحوالى خمس دقائق كان ينادي بملء صوته ( ما حدا يطلع بلا غطا يا جيران ) و هذه العادة مازالت سارية حتى الآن بالنسبة للأسطح المشرفة على الدور العربية في الأحياء القديمة
و إلى اللقاء في ذاكرة جديدة
المحامي معتز برازي
المزيد...