أنهى دراسته الجامعية, قرر أن يذهب لرؤية محبوبته في الريف.. وصل إلى المزرعة , ودخل الغرفة المخصصة له.. فتح النافذة المطلة على فسحة الدار في بيت ريفي جميل.
وقف طويلاً منتظراً مستغرباً, صمتٌ يعم المنزل, تساءل:
ـ لا.. لا.. أحد هنا.. لا أرى من أتيت من أجله!ّ.. أين هي..؟
وأين أهلها..؟!..
خرج ومشى… مشى كثيراً سار على درب طالما مشى عليه, على ضفة النهر علّه يجد من يسأله عن أصحاب هذا البيت.
غربت الشمس وكاد الليل يرخي سدوله, عاد إلى المزرعة, ودخل غرفته. وقف أمام النافذة ينظر إلى البيت, النوافذ مغلقة.. أبواب الغرف مغلقة, لم يجد من يمشي في فناء المنزل, أو يشعل ناراً ويضيء مصباحاً.
قال في نفسه:
ـ لا : إنهم في زيارة سوف يعودون.
وفي اليوم التالي استيقظ باكراً وأطل على الدار التي خلت من سكانها تماماً, صاح وضرب رأسه بيده لم يأت أحد أين هم؟
خرج مسرعاً يسأل حارس المزرعة عن جيرانه, أجاب:
ـ إنهم ليسوا هنا رحلوا..
ـ متى كان ذلك؟ وكيف أجدهم؟
ـ لا أعلم، توفي صاحب الدار منذ أيام فتركوا الدار ورحلوا !!.
عاد إلى غرفته يفكر ويلوم نفسه, كان أنانياً, لماذا لايفكر إلا في ذاته لماذا لم يتصل بها؟ .. عاماً دراسياً وأكثر لم يسأل عنها, يمر طيفها في مخيلته مراراً … لماذا!.
استلقى على سريره, لايرى أمامه إلا صورتها.. ذاكرته احتفظت بقسمات وجهها الجميل.. فتاته الرائعة الحلوة وكيف التقاها مصادفة.
لقد استولت على مجامع قلبه.. أحبها بصدق وإخلاص..
عندما رآها أتيح له قضاء العطلة الصيفية في هذه المزرعة وكان قد انتهى من امتحان الجامعة.
حين بدأت زيارته للمزرعة وكان في غاية السرور اصطحب معه بعض الكتب الأدبية والقصص والصحف ليملأ فراغه.
وماهي إلا أيام حتى شعر بالملل ورتابة الحياة في الريف فقرر العودة إلى المدينة ذات غروب صيفي جميل, خرج يتمتع بجو الريف وأنسامه, وقبل أن يترك المزرعة.. بيوم لاحت له صبية تركض وراء دجاجات وهي في قمة السعادة والمرح.
انتفض قلبه لمرآها وبدأ ينبض كما لم يفعل من قبل.
وقف ينظر إليها وهي تركض، هي لم تره حتى توقفت خجلاً واعتذرت .
خرجت كلمات الاعتذار والحروف شفافة هادئة, كانت نغمات صوتها موسيقا لم يسمعها من قبل , هذا الحدث الذي لن ينساه أبداً غير كل مجرى حياته.
مرت أيام.. ينتظرها أن تخرج ليراها, وينظر إليها لكنه لايملك الشجاعة أن يحدثها.
أيام وأيام .. أخفى نحوها, وهي تنظر إليه وتبادله نفس النظرات.. استجمع قواه وقلبه ينبض , لقد دثره شعور غريب خفي لايعرف معناه, اقترب منها وسألها عن اسمها.
أجابته وهي تبتسم:
ـ نسمة.
كان اسمها من صلب الطبيعة الجميلة لهذه المنطقة سحره اسمها, سحرته ابتسامتها.
بدأت اللقاءات تتالى, كانت المصادفة الرائعة بداية نسجت خيوط حب عفيف طاهر بينهما.
كانت طالبة تنتظر نتائج امتحانات الشهادة الثانوية العامة, وهكذا مرّ الصيف سريعاً وانتهت الإجازة, قال لها:
سأعود إليك, سأعود, متى انتهيت من دراستي الجامعية, هذه السنة الأخيرة, سوف ألقاك.
تركها.. دون موعد محدد, ولا رقم هاتف.
ذلك الصيف عرف قلبه الحب, وعرف عذوبته, ولوعة الفراق, ومرارة القلق.
أيقن (أن الحب هو خبز الحياة).
قال وهو يحزم حقائبه للسفر والعودة.
سأبحث عنك وأجدك ( نسمه) وأٌقدم لك هذه الهدية.
رامية الملوحي