يلفت نظري العودة إلى كتابة القصيدة الخليلية عند جيل الشباب، وهذا ليس على مستوى حماة، أو سورية، بل يكاد يكون على مستوى العالم العربي، وللأمانة، فإن هذه العودة تقدم نماذج عالية المستوى في الإبداع، وهذا لم يكن ملاحظاً في الثمانينات أو التسعينات من القرن الفائت، أيام سيادة نمط التفعيلة، فقد كانت القصيدة الخليلية منكمشة أو متقوقعة عند معظم أعلامها الكبار، وكان جيل الشباب متوجهاً إلى التفعيلة أو النثر بحماس.
وإذا صادفنا شاباً يكتب القصيدة الخليلية ففي معظم الأحيان يكون ناظماً لاشاعراً مبدعاً.
كنت أتأمل في كل ذلك وأنا أرى التراجع والنكوص اللذين خيّما على العالم العربي، ولاسيما في العقد الأخير، التراجع في النهضة والتنوير حتى قارب الحال نسبياً ما كنا نسميه عصر الانحطاط في ظل المماليك والسلطنة العثمانية، ورأيت أن تأثيراً ما قد وقع على الذائقة الشعرية، وهذا التأثير طاغٍ وقاهر ولايمكن الفكاك منه، وهو يشبه الظاهرة الاجتماعية كما وصفهما دركهايم من أنها آمرة قاهرة، وفي صورتها المبسطة تشبه التعبير الذي يطرأ على الذائقة أمام تغيرات (الموضة) في الأزياء أو قصة الشعر وتسريحته .
فاجأني صديقي الشاعر د. أنس بديوي اليوم ـ يوم الأحد الفائت ـ في كلية الآداب يسألني: ألا ترى أن ثمة سلفية شعرية تخيم الآن على القصيدة العربية؟
فاجأني أننا نتشارك هذه الهواجس,وما أسميته انحطاطاً, أطلق عليه اسم السلفية, وقد شاركتنا الحوار الشاعرة ديمة قاسم,وبدا عليها أنها لم ترتح لتوصيفنا هذه التجارب الخليلية بـ (الانحطاط) أو (السلفية) ، فهي تجارب إبداعية رفيعة, والطريف في الأمر أننا نتفق معها في هذا التقييم ـ قصداً لا أقول التقويم ـ فالتجارب الخليلية المعاصرة تحمل إبداعاً شعرياً لافتاً ورفيعاً, ولكن من يستطيع أن يخرج من ذائقة العصر ليقدم لنا حكماً موضوعياً, وما عسى أن تكون ماهية الموضوعية في مثل هذا المجال! غير أني لا ألبث أن أعود للتساؤل: ألم يكن التصنيع والزخرفة البديعية لقصيدة عصر الانحطاط، في ذائقة عصر الانحطاط إبداعاً شعرياً رفيعاً؟.
رضوان السح