ضمن حفل تكريم الشاعر الكبير عبد المجيد عرفة ألقى عدد من الأدباء كلمات إلى جانب الشعراء الذين كرموه بقصائد فاكتملت صورة التكريم في الشعر والكلمة.
الكلمات كانت للأديب الشاعر مصطفى صمودي حيث استعرض في كلمته تفاصيل كثيرة عن مسيرة حياة الشاعر عبد المجيد عرفة وإنجازاته الحياتية العملية والشعرية ولضيق المساحة اضطررنا لاقتطاف منها مايلي:
ولد الشاعر في حماة مدينة الشعر والشعراء عام 1939 في عائلة عريقة من عوائل حماة, ونشأ في أسرة متوسطة الحال كثيرة الأولاد, لأب حرفي تميز بالكرم, والحضور الاجتماعي اللافت.. فظهر ولعه بالشعر منذ المرحلة الإعدادية فقاله في تلك السن المبكرة, وتتلمذ على يد أساتذة كبار عشقوا العربية وأتقنوها فنشأ متمكناً في لغته, أصيلاً في شعره.
بعد حصوله على الثانوية انتسب للأمن العام, فتخرج برتبة ملازم, وصار مديراً في مدارس الشرطة بدمشق , ثم مديراً لكلية ضباط الشرطة, فمعاوناً لقائد شرطة دمشق ثم مديراً لإدارة المرور التي أحيل منها للتقاعد عام 1999م برتبة عميد تقلد الشاعر منصّة رئاسة فرع اتحاد الكتاب العرب بحماة وشارك بأنشطة أدبية عديدة داخل سورية وخارجها مثل ( مهرجان الجنادرية) بالسعودية وأقام عدة أمسيات شعرية في برلين واستنبول ,والمغرب وتونس, وحصل على جوائز عديدة, وله ثماني مجموعات شعرية, وقد كُتِبَتْ عنه عدة دراسات نقدية للدكتور بديع حقي، والأديب مدحت عكاش, والشاعر حامد حسن, وبكل تواضع كتبت عنه دراسة نقدية نشرتها مجلة الموقف الأدبي, العدد رقم 572, سنة 2018م.
ومما يُسجل لشاعرنا الكبير أنه عصامي مكافح في دروب الحياة، طموحٌ غاية الطموح في أن يحقق في عمله, ودأبه, وصبره, ومعاناته المجد الذي يستحقه المبدعون ويصل بهم إلى منصة العلياء, بسيرهم الحثيث في الدروب الوعرة التي سلكوها, والشاعر ـ أمد الله في عمره ـ لم ينقطع عن كتابة الشعر رغم أنه تجاوز الثمانين. وله ديوانين قيد الطباعة هما ( آهات قلم) و(بيني وبين الشعراء)، وقد تشرفت بكتابة مقدمة ديوانه الأول.
كما أنه كان ذا موقف وطني واضح في شعره، فهو لم يلتزم الصمت، أو يلبس ثوباً رمادياً, بل صرخ في قصائده بوجه العملاء, والأعداء الغزاة الذين حاولوا النيل من سورية الحبيبة, وتدمير بنيتها التحتية, كما ندد بحكام دول البترودولار من العربان, الذين كان لهم اليد الطولى في تلك المؤامرة الكونية الكبرى بالتمويل والتسليح, يقول في قصيدة بعنوان (الضمير العربي):
بنار نفطكم كم أحرقوا بشراً وكم به مدناً في أرضنا خربوا
به تُصنِّع أمريكا قنابلها ودون منٍّ لإسرائيلها تهب
والله لو قطعت عنهم مواردكم لعاملوكم كما الأنداد وانسحبوا
ويصور حجم الكارثة التي وقعت على الشعب السوري بسبب تلك المؤامرة قائلاً في قصيدة (حقد وبلاء)
لم يأمر الدين بالقتل الشنيع ولا أقام حداً لما توحي به الريب
دين دعا لصلاح الناس قاطبة فالعدل شِرعته والحب والأدب
فكم من الناس قد أمسوا بلا سكن وكم بيوت غدت قبراً لمن نُكبوا
وما نجا بعضهم في البحر من غرق ولا نجا من قيود الذل مغترب
وتحدث الأديب الدكتور موفق سراج عن حياة ومناقب الشاعر المكرم عبد المجيد عرفة نقتطف مما قاله مايلي:
على الرغم مما عاناه وطننا العظيم من محنة مؤلمة, ومؤامرة كونية خلال السنوات الماضية وما يتعرض له الآن من عدوان همجي غاشم, فإن مفاصل الحياة الثقافية لم تتيبس, وتكريم المبدعين لم يتوقف, وإقامة الندوات والمحاضرات لم يصبها الذبول, بل هي على أحسن مايكون.. وهذا دليل قوتنا,وبشرى انتصارنا على قوى البغي والعدوان .. والعطاء تضحية وقوة وتفاؤل ,وتقصير المبدعين لما يتحلى به أبناء وطننا العظيم من يقظة ووعي وغيرية على وطن العزة والشموخ, وطن الحضارة والتفوق والإبداع ,وهو الوطن القادر على بلوغ غاياته,وتحقيق أهدافه وسط الشدائد والمحن, وهل تقوى الأمم وتنهض من غير مبدعيها وعلمائها وباحثيها؟!
هكذا هي الأمم الحية تكرم المبدعين, والعلماء, والباحثين , وتقدرهم حق قدرهم, وأجدادنا العرب بنوا حضارة شامخة زاهية تطاولت قروناً من الزمن بالعلم والإبداع والمعرفة .. وحين كان ينبغ شاعر في قبيلة , كانت تقيم الولائم والأفراح أياماً عديدة فرحاً وابتهاجاً وافتخاراً, لأنه سيكون الممجد لمحامدها, والمدافع عن أعراضها والرافع لشـأنها بين العرب.
ونحن إذ نكرم شاعرنا الكبير عبد المجيد عرفة, فإنما نكرم أنفسنا, ونكرم وطننا والوطن الكبير يكبر بأبنائه المبدعين.. ولا أظن كلماتي عنه في هذه العجالة ستفيه حقه, أو تقدم أو تؤخر .. فالمرء يُعْرف بأعماله العظيمة, وآثاره المميزة.
وحَسبُ الزهرة أن تعرف من أريجها, ولاتحتاج إلى وصف الواصفين:
من ذا يكافئ زهرة فواحةً أو من يُثيبُ البلبل المترنما
وقال رفيق دربه الطويل الأديب معاوية كوجان عن تجربته مع مسيرة الشاعر المكرم مايلي:
نحتفل اليوم بتكريم شاعر من شعراء حماة ينوف عمر تجربته الشعرية على خمسين عاماً بل ستين عاماً كانت ثمارها ست مجموعات شعرية هي ( رحيل إلى مرافئ الحب, أغنيات لبلادي, همس البلابل, بوح الضفاف, دموع وآمال, براعم الوطن. وما تزال شعلة الشعر في نفس الشاعرة متوقدة تمنحنا الجديد السائغ المحبب بالرغم من بلوغه الثمانين.. بارك الله عمره, وأدام على عافية عرفته عام ألفين وجهاً لوجه، لكن معرفتي به أقدم فلطالما قرأت له أشعاره الجميلة في الصحف المحلية, ولاسيما صحيفة الثقافة الأسبوعية للأديب الراحل مدحة عكاش.
التقينا وكان لقاؤنا في اتحاد الكتاب بحماة متقارباً من حيث الزمن , فقد أصبح رئيس فرع الاتحاد بحماة وبعد مدة قصيرة عينت موظفاً في فرع الاتحاد.
كنت أظن ـ كما هي طبيعة الحال ـ أنني سأتعامل مع شخصية عسكرية جادة يَعْسُرَ التعامل معها وتفتقر إلى اللين والبساطة والدماثة, لكن حدسي خاب.
وختم سامي طه مدير الثقافة، الكلمات ببوح صادق قال فيه:
عبد المجيد عرفة, عرفته وأنا أحبو على شرفات الأدب كطفل ينتظر يداً حانية , تمده بنسغ نماء.
وتشارك اليوم في تجديد الوفاء والعرفان وليس غريباً على مجتمع أصيل أن يحتفي بمبدعيه ورواد ألقه وليس كالشعر رسولاً إلى الغد الحالم البهي, وليس كشعراء حماة سفراء إلى منابر المجد عبد المجيد عرفة الشاعر المترف جمالاً مباركاً للشعر للشهامة فرسان الميادين وأنت من أمرائهم كما قال فيك المبدع الراحل الدكتور رضا رجب وكان هو كلما تقدمت سجاياه نبلاً ورقة سما شاعرية وعبد المجيد عرفة ! أيها الغريد الحبيب يطيب لكلماتي أن توقد شمعة وفاء في لقاء الشكر المستحق اليوم برسم الأحبة، حضورك البهي شعراً وسبك صور ومشهديات من نقاء سنينك وتفاخر مديرية الثقافة بحماة والتي آثرنا أن نسميها أسرة الثقافة الحموية وأنتم من أركانها تفاخر بأنها احتضنت قامتك المديدة عرفاناً وشكراً.
صلاح أورفلي