عند الحاجز أوقفت سيارتي، جميع أحفادي كانوا بصحبتي يمنون أنفسهم بنزهة جميلة ورحلة إلى عالم الطفولة الذي سرقه منهم تجار اﻷوطان واﻷزمات. اقترب جندي من أحفادي، تذكرت علي، نظرت إليه وسؤال ينشب مخالبه القاسية في عقلي:متى سيأكلون الأرز بالشعيرية؟ شد الجندي حفيدتي السمراء ذات الشعر المجعد وضمها بشوق إلى صدره، ثم أعطاها حفنة من السكاكر، فبادرته بابتسامة بريئة وقالت له:
– شكراً عمو..
لمحت في عينيه بريق دمعة حاول إخفاءها جاهداً إلا أن ملامح وجهه وارتجاف الشوق لعائلته في جسده عبرا عن ما يحمله في قلبه وعقله. بدوري مسحت الدموع عن وجهي، من حقه أن يعيش، من حقه أن يكون مع أطفاله بين أفراد عائلته ينعم بالدفء والمحبة والحنان، من حقنا اﻷمان، من حقنا أن تنتهي هذه الحرب الطاحنة التي خلقتها أيد شيطانية وبثت نيران فتنتها بين اﻷهل. عاود السؤال إلحاحه في ذهني بألم مرير:متى سيأكلون الأرز بالشعيرية؟
تراءت صورة علي أمامي، علي شاب يافع في مقتبل العمر، شاب بجسد رجل وقلب طفل، تذكرت ليلة العيد حينما قال لي وأنا أقف على الحاجز: كيف يُطبخ اﻷرز بالشعيرية يا خالة؟..
والله اشتقت كثيراً لمذاقه، واشتقت أكثر ﻷمي ولجَمعة أهلي حول طعامها اللذيذ. كيف يُصنع اﻷرز بالشعيرية يا خالة فأنا لم أر أمي منذ أكثر من ستة أشهر؟.. مات علي.. الحرب أكلته قبل أن يرى أمه، الحرب أكلته قبل أن يأكل اﻷرز بالشعيرية!..
عاودت النظر إلى الجندي الذي حمل حفيدتي السمراء، قلت له ودموعي تغسل وجهي بحزن قاس:
– حماكم الله وأعادكم إلى أهلكم سالمين! ومن علينا بالفرج والحياة!.
وتركته وبريق ألم الشوق وأمل الحياة يحتلان وجهه، ومضيت مع أحفادي بحثاً عن عالم للفرح والطفولة.
لما كربجها