الموضة بين الحرية الشخصية والذائقة المجتمعية

الملابس قديما كانت ترمز إلى الانتساب الاجتماعي والانتماء الحضاري للشخص الذي يرتديها، ولكنها اليوم صارت وسيلة للتعبير عن الذات والشخصية، خاصة لدى الشباب الذي أضحى يطور ذائقته في اللباس والأزياء والموضة لحاجات وأسباب نفسية واجتماعية.
ويتفاوت تعامل الشباب مع الموضة «الغريبة» في اللباس التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة، فهناك من صار لديه اتباع هذه الموضة بمثابة هوس حقيقي يعيشه كل يوم، وهناك من يعتبرها أمرا عاديا يتبع تطور الزمان، في حين أن آخرين يرونها تقليدا أعمى وتفسخا للهوية المحافظة للمجتمع.
سراويل متدلية
وأخرى ممزقة
وانتشرت التقليعات الشبابية الغريبة في اللباس، أو في طريقة تصفيف الشعر في المجتمع بشكل مثير للانتباه، لأسباب نفسية وتربوية واجتماعية، الوضع الذي جعل المجتمع ينقسم بخصوص تقييمها وردود الفعل إزاءها.
ومن ملابس الموضة التي عرفت انتشاراً بين الشباب على نطاق واسع، بنطال الجينز اللاصق على الجسد، والتي تظهر بنية الجزء الأسفل من جسد الشاب أو حتى الفتاة التي ترتديه، وقمصان «ميني فونتر» النسائية التي تكشف جزءاً بارزاً من بطن الفتاة، بالإضافة إلى سراويل جديدة لكنها ممزقة عند مستوى الركبة أو في الخلف أيضاً.
لكن تظل السراويل المتدلية عن الخصر هي الأكثر انتشاراً بين المراهقين ومحبي موضة الأزياء الغريبة، فضلاً عن قمصان فوقية تحمل شعارات غير مألوفة أو رسوماً مخيفة، مثل جماجم الموتى أو عبارات صادمة، وأخرى فيها سب وشتم تخل بالحياء العام، وأيضاً ألبسة ترتديها الفتيات تحمل رسومات غريبة عن مجتمعاتنا المحافظة .
والمثير في كل هذا أن الشباب الذي يرتديها لا يجد حرجاً في ذلك، معتبراً أنها «موضة» مثل كل الموضات الاخرى والتي تغزونا بشكل كبير.
موضة ووسيلة احتجاج
باسل شاب تجاوز العشرين من عمره يرى أن ارتداءه لملابس الموضة تعطيه تميزاً وسط رفقائه من الشباب، وهذا التميز يجعله مثار اهتمام سواء لدى أصدقائه، أو لدى الفتيات اللواتي في نفس سنه بغية ربط علاقات عاطفية معهن.
ولا يرى أنه يسيء بملابسه الغريبة التي يرتديها لذوق المجتمع، معتبرا أنه يقوم بشيء يخصه ويندرج ضمن حريته الشخصية التي لا يضايق بها أحداً ولا يؤذي غيره، وبالتالي فلا يحق للمجتمع أن يحاكمه أو ينتقد لباسه لأنه مجرد «موضة» ستموت وتأتي موضة أخرى، فلا داعي لتهويل الموضوع» على حد تعبيره.
أما أحمد فهو يجد أن لباسه الغريب» عادي» بالنسبة له ولأصدقائه فهذه الموضة باتت تغزو الأسواق وواجهات المحال ولا يوجد غيرها في الأسواق .
جيل مهدد
وتختلف الآراء إزاء هذه التقليعات الغريبة في لباس بعض الشباب، فمنهم من يراها موضة تميز فئة عمرية سرعان ما تزول وتذهب إلى غير رجعة، ومنهم من يرى ذلك قلة ذوق وتربية، وأيضاً فراغاً مهولاً يعاني منه الشباب اليوم.
ندى تجد في هذا النوع من اللباس اختلالاً في القيم والسلوكيات الدينية والتربوية عند كثير من المراهقين والشباب ؛ باعتبار أن ما يلبسونه من تقليعات غريبة هي في مجملها «مستوردة» من المجتمعات الغربية من خلال التقليد الأعمى لتصرفات وأزياء الشباب هناك.
وتضيف إن للأسرة دوراً كبيراً في هذا الانحلال بخصوص ذوق أبنائها في مسألة اللباس، لأنه لو كانت هناك مراقبة ورعاية ومتابعة لما يفعله هؤلاء الأولاد، لَما تم جرفهم إلى هذا المستوى الرديء من ارتداء ملابس غريبة عن قيم وهوية مجتمع عربي .
وينتقد أبو ناصر أب لستة أبناء، هذه الملابس الغريبة لبعض الشباب، ويقول إنه أحياناً لا يكاد يفرق بين الفتى والفتاة من حيث المظهر الخارجي بسبب تشابه اللباس الغريب الذي يرتدونه معاً، مما يهدد معاني «الرجولة» الحقيقية بالنسبة له.
وتساءل: هل بإمكان العرب أن يتقدموا ويتغلبوا على أعدائهم بهذا النوع من الشباب الذي جُل هَمه في كيفية لباسه، وماذا يلبس، وفي الموضة الغريبة التي صار مهووساً بها صباح مساء.
غير أن أباً آخر لا يرى أن يتم تحميل موضوع اللباس الغريب لدى الشباب كل هذا المحمل الكبير، لأنه مجرد «موضة» عابرة يمارسها الشباب صغار السن، لكن سرعان ما يبتعدون عنها حين تقدمهم في السن، والدليل أنه نادراً ما يوجد رجال في سن الأربعين أو الخمسين وهم يرتدون تلك التقليعات، وقد يكونون لبسوها في السنوات الأولى من مراهقتهم وشبابهم.
أين التربية؟
رباب أحمد أخصائية في علم النفس ترى أن مسألة ثقافة التقليعات أو الموضات ارتبطت تاريخيا خاصة بنمط المجتمع الرأسمالي الغربي كـوسيلة استيلابية واستهلاكية لصنع الفرد المهووس باستهلاك الجديد ونبذ القديم، وذلك لكي لا تتوقف المعامل ودورة التسويق عن مضاعفة المنتجات إلى ما لا نهاية.
وأكدت بأنه يمكن تفسير هذه الطقوس والتقليعات الغريبة التي يمارسها شبابنا الحالي على المستوى النفسي بكون الخصوصية المرحلة العمرية التي يمر بها (المراهقة خاصة)، تفضي إلى ميل الشباب إلى التميز ولفت أنظار الآخرين، وإبراز ذاته وحب الظهور، والتمرد على العادي والسائد..
وهناك عاملاً نفسياً ثانياً يتمثل في عدم النضج العاطفي والعقلي المتين الذي يجعل الشباب سريع وسهل التأثر بكل الاختراقات الاستهلاكية الغربية والغريبة عن مجتمعه، والانقياد وراء تقليعات جماعية معينة.
فالصورة الذهنية السائدة وسط كثير من الشباب تتمثل في كون الغرب هو النموذج الحضاري المثالي الذي يجب الاقتداء به، والتماهي لإعطاء قيمة للذات وسط الجماعة، وهكذا يقلد شبابنا شباب البلدان الأوروبية في الأمور السلبية والغريبة فقط للأسف.
فارتباط شبابنا بتقليعات كهذه مؤشر على غياب نماذج تربوية إيجابية وبديلة داخل مجتمعاتنا، ودليل على إفلاس جلي وعدم نجاعة مؤسساتنا التربوية في تأطير شبابنا حسب نماذجنا ومرجعياتنا القيمية والثقافية..
ازدهار صقور